أن تكون مجبراً على إرفاق منشورك بصورة، أو بالأحرى حاجتك لأن يكون منشورك صورة لا أكثر، اختصارٌ للحياة بعيداً عن التفاصيل التي لا يمكن التقاطها عبر الكاميرا.
هذا التطبيق الذي انطلق في عام 2010، ليكون أوّل من يهدد عرش فيسبوك، وليصبح تالياً أكبر استحواذات فيسبوك وجزءاً أساسياً من أعمالها منذ عام 2012، يمثل اليوم كل قبائح عصر وسائل التواصل الاجتماعي. ويبدو أن إنستاغرام بحد ذاته مصممٌ ليعزز سطوة هذه القبائح والقيم السطحية التي تضمن استمرار تفوقه. فيما يلي بعض الملاحظات بخصوص كيفية عمل إنستاغرام، وما يجعله يتربع على قمة التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، وسأناقش هذه الخصائص من باب المقارنة بشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، ومن حيث التصميم فقط، بغض النظر عن سلوك المستخدمين عليه.
1. الصور المجردة:
المبدأ الأساسي لإنستغرام هو العجز عن إنشاء منشورٍ دون صورة، وبالنسبة لكيفية العرض، فإنه على عكس فيسبوك وتويتر يظهر الصورة أعلى المحتوى المكتوب، الذي يختصر إلى سطر واحد متضمناً اسم المستخدم، بالتالي فإن التركيز شبه تامٍ على الصور، والمحتوى المكتوب غائب تماماً عن نظر مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي المعروف بسرعة تنقله بين المحتوى.
هذا الغياب للنص يجعل حتى مشاركة الصور مقتصرة على المحتوى البصري، دون قدرة المستخدم على التعليق على الصورة التي ينشرها أو توضيح غايته من نشرها، الأمر الذي يختلف في تويتر مثلاً حيث يظهر النص أعلى الصورة وبالتالي يكون من السهل معرفة ما قد تجب معرفته عن الصورة، فالعين سترى النص قبل المحتوى البصري، وإن كانت طبيعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي في كثير من الأحيان لتجاهل النص، خصوصاً حين يكون طويلاً.
2. انعدام الروابط الخارجية:
من أهم أدوار وسائل التواصل الاجتماعي عند نشوئها، أن تكون محطة وسيطة بين المستخدم والمواقع الإلكترونية، وبالنسبة لمن استخدموا الإنترنت قبل السوشيال ميديا، فإنهم يعرفون كم وفر فيسبوك وتويتر من الجهد الخاص بتصفح كل موقعٍ على حدة أو استخدام النشرات البريدية التي تكون غير فعالة حين تتم تصفيتها كبريد مزعج، أو حين لا تفرض طبيعة عمل المستخدم عليه تصفح بريده الإلكتروني باستمرار، كما لعبت دوراً هاماً في الترويج للمواقع والمدونات الصغرى والجديدة.
في إنستاغرام هذا الجانب معدوم، فهو لا يسمح بإضافة روابط للمواقع الخارجية سوى ضمن التعريف بالحساب، وبالتالي لا يمكن لصنّاع المحتوى أن يضيفوا روابط مباشرة لكل مقال أو تدوينة جديدة، بل يكون عليهم أن يشيروا للمستخدمين بتصفح الموقع “الموجود في البايو” أو “الموجود في ملف التعريف” ليصلوا إلى الموقع الإلكتروني ويكون عليهم البحث عن المنشور المقصود على الموقع.
لا يمكننا أن نتوقع من مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي الكسول أن يقوم بكل هذه العملية في سبيل قراءة مقال، كما يؤدي ذلك لصعوبة مشاركة روابط لا تخص صاحب المنشور، خصوصاً حين لا يكون نطاق (Domain) الموقع سهل التذكر، وفي المقابل يصبح الوقت الذي نقضيه على إنستاغرام محصوراً داخله، دون أن يؤدي لمصادر إضافية للمعلومات أو التحليلات، الأمر الذي يزيد من طابع العزلة والاستخدام المحدود للإنترنت الذي تتسم به وسائل التواصل الاجتماعي أصلاً.
3. عدم القدرة على المشاركة:
عكس تويتر وفيسبوك، لا يتيح إنستاغرام للمستخدم إعادة مشاركة منشورات المستخدمين الآخرين، الميزة التي يقوم عليها انتشار أي محتوى على فيسبوك وتويتر، هذا الأمر يعود غالباً لرغبة إنستاغرام بتشجيع الإعلانات من خلال سد فجوة قدرة المستخدمين على زيادة شهرة حسابٍ أو محتوىً للمستخدمين “المجانيين”.
على الرغم من استخدام الكثيرين لإضافات تعيد نشر الصورة مع إضافة اسم المستخدم الذي نشرها في الأصل عليها، فإنها ما زالت طريقة تؤدي لإعادة إنتاج ذات المحتوى مراتٍ عديدة، وهو ما يعتبر من أهم سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي، كما إنها لا تتيح تحقيق انتشارٍ فعليّ لأصحاب المحتوى مرتفع الجودة، البصري خصوصاً، دون الاعتماد على المستخدمين النشطين، سواءً النشطين بما يكفي للبحث عن اسم المستخدم المضاف إلى الصورة أو لإعادة نشر الصور بهذه الطريقة.
4. فيديوهات لا تكفي للفائدة:
مدة الفيديوهات التي يمكن نشرها على إنستاغرام محدود بمدة 60 ثانية للمنشورات العادية، و15 ثانية بالنسبة للقصص (Stories) وساعة بالنسبة للبث المباشر. بعيداً عن البث المباشر الذي لا يمكن دائماً تحقيق نسبة مشاهدات مرتفعة له منذ بدايته، فإن هذا الحد الموضوع على مدة الفيديو يجعل من الصعب على المدونين البصريين (Vloggers) إنتاج محتوى يتضمن أي قدرٍ معقول من المعلومات أو الأفكار، ويصبحون مضطرين إما لاختصار محتواهم، أو تقديم لمحة عنه في حال لم يكن إنستاغرام منصة التدوين الأساسية بالنسبة لهم.
كما إن هذا التحديد لمدة الفيديوهات يجعل من الصعب على المنتجين أو المدونين الموسيقيين مثلاً أن يقدموا أعمالهم عبر إنستاغرام، ويجعلهم مضطرين لتقديم أجزاءٍ منها، وبالكاد يقدرون توجيه المتابعين للنسخ الكاملة في ظل انعدام الروابط الخارجية المذكور سابقاً، والأمر ذاته ينطبق على منتجي الأفلام القصيرة وفيديوهات الإنفوغراف.
5. لا تعليق:
على الصفحة الرئيسية لا يمكن رؤية التعليقات المنشورة حول الصور الظاهرة، وهو أمر يحافظ بالفعل على الترتيب البسيط للبرنامج، ولكنه في الوقت نفسه يجعل الصور خارج سياقها، فالتعليقات السلبية أو الإيجابية، والأهم التعليقات التي تصحح أو توضح شيئاً بخصوص مضمون الصورة، لا تظهر وتجعل المتلقي قادراً على تقبل ما تقوله أو تظهره هذه الصورة بغض النظر عن التصحيحات والاعتراضات التي قد تتوالى عليها.
في تويتر مثلاً تأخذ التعليقات (أو الردود Replies) ذات المساحة التي تأخذها التغريدات نفسها الصفحة الرئيسية، وعلى فيسبوك يظهر عددٌ من التعليقات يتم اختيارها بقدر حجم التفاعل الذي تحصل عليه وحسب الجهاز المستخدم (في الهواتف الذكية يظهر عدد أقل من التعليقات من تلك الظاهرة عبر الحاسوب الشخصي)، كما إن تعليق أصدقائك أو من تتابعهم يؤدي لظهور منشوراتٍ لمستخدمين وصفحات لا تتابعها على صفحتك الرئيسية.
مع توافد مختلف الفئات العمرية والاجتماعية إلى فيسبوك، أصبح إنستاغرام بديلاً أكثر “شباباً” لفيسبوك، وفي الوقت نفسه أكثر انتشاراً من بدائل أخرى مثل تويتر وسناب شات، ولكنه أقدر على الصمود لأنه خالٍ تقريباً من الحاجة إلى التفكير، فهو متمركزٌ حول مشاهدة الصور، ملائمٌ لفئة الباحثين عن الصور في الكتب مثلاً، أو غير القادرين على استقبال أي معلومة ما لم تكن مقدمة على شكل صورة أو فيديو مختصر لا يحتاج وقتاً طويلاً من الانتباه.
انتشر منذ فترة فيديو لقردٍ يتصفح إنستاغرام بشكل ناجح يشابه طريقة تصفحنا له، وكان تمثيلاً فعلياً للتبسيط المبالغ به في إنستاغرام، بحيث لا يعود المستخدم بحاجة لاستخدام اللغة تقريباً، ويكتفي بالترفيه عن إحدى حواسه غير راغبٍ بطرح أي تساؤلات أو التفكير بالأشياء التي لا يمكنه أن يراها، كطفلٍ لا يفهم حديث والديه، سعيداً بالصور التي يظهرها التلفزيون لتشتت انتباهه.