حرية ساعات التفرغ

المال.

كل معايير النجاح والسعادة والتوازن والريادة وحتى آخر القائمة من الكلمات الضبابية جداول تصب في ساقية واحدة هي المال.

بالكاد يمكن تقييم إنجازاتِ أي إنسانٍ بعيداً عن إنجازاته المالية، من الصعب إقناع الآخرين بأننا سعداء من دون أن نملك ما يثبت ذلك من المال أو المقتنيات الثمينة، وإقناع الآخرين بالذات يكتسب أهمية إضافية بسبب هذا المسرح متعدد الخشبات الذي نحيا عليه إثر التعرّض المستمر لحياة بعضنا البعض على شبكات التواصل الاجتماعي، التي أصبحتْ بشكل أو بآخر المسرح الحقيقي الذي تحصل عليه الحياة.

ولأن آداب المجتمع الحديث لا تسمح بالإفصاح عمّا نملكه أو نتقاضاه من الأموال، فإن سبيلنا الوحيد لإبراز ذلك هو ما نقتنيه، الملابس الأنيقة والسيارة والوزن الزائد لم تعد معايير كافية، فالجميع تقريباً قادرٌ على ذلك، لا بد من سلعٍ بالكاد تحمل قيمة إضافية سوى سعرها، يمكنك الحصول على نفس الهاتف الجوّال – أو ساعة اليد أو الحاسب المحمول أو الحزام الجلدي…ألخ – بثلاثة أسعار مختلفة كل واحد منها هو ضعف السابق، ولكن كل واحدٍ منها يعتبر بطاقة عضوية في طبقة اجتماعية اقتصادية محددة.

مع وجود المصارف والبطاقات الائتمانية والقروض، وملايين الطرق للتورط بديونٍ لا نهاية لها، أصبح الحصول على بطاقة عضوية الطبقة التالية ممكناً، ولكن بسبب توفر هذه البطاقة على نطاق واسع أصبح حملها يعني بشكلٍ أو بآخر أنكَ إما في قاع الطبقة التي تصرّح بطاقتك أنك تنتمي إليها، أو أنك في قمة الطبقة الأسفل منها، ومع هذه الدائرة المفرغة من القفز إلى الطبقة التالية وقفزها بعيداً عنكَ، وإذا أخذنا في عين الاعتبار أن الظروف الاقتصادية المشتركة بين أبناء المجتمع الواحد تجعل هذه القفزات تحصل في فتراتٍ زمنية متقاربة، لن يأتي أبداً اليوم الذي تكون فيه ثرياً بما فيه الكفاية.

إذاً؛ هل نتوقف عن جني المال؟ هل نتخلى عن الحياة الحديثة ونتخلى عن كل ما لا يمكننا الحصول عليه بلا مال؟ عملياً، كل شيءٍ له ثمن. الأشياء المجانية التي تصلنا أو قد تصلنا، نحصل عليها بأموال أحدٍ آخر، مال يدفع في سبيل مكسب آخر غالباً ما يقود لجني المزيد من المال سواءً على المدى القريب أو البعيد، بالتالي أسلوب الحياة الهيبي – أو الأناركي أو البدائي أو سمّه ما شئت – ليس ذا فائدة تذكر.

الحل يكمن في الاتجاه المعاكس، بدلاً من البحث عن جني المزيد من المال، ابحث عن جني ذات المبلغ من المال – عندما تصل إلى الرقم الذي تجده كافياً لحياةٍ كريمة – وابدأ بالبحث في الاتجاه المعاكس عن الوظيفة أو المشروع الخاص بكَ الذي يتيح لكَ الحصول على نفس المبلغ بساعاتِ عملٍ وضغطٍ أقل.

لماذا؟ لأن المرح غير مأجور، فلا أحد يدفع لكَ مقابل القيام بعمل يستمتع به الآخرون، وإن كان مأجوراً فهو غالباً يحتوي من ساعات العمل والضغوط والمسؤوليات ما ينزع المرح منه، لذلك اعمل بما يكفي لتحيا حياة كريمة لا تحتاج فيها صدقة الآخرين، وحاول أن تسترجع قدر ما استطعت من وقتك الحر لتقوم فيه بما تستمتع، لأننا أحرارٌ بقدر ساعات تفرغنا، لا أكثر.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها