دليل مبسط للمقاطعة 

القوة الوحيدة التي تملكها الشعوب هي الكثرة والتفوق العددي، وعلى الرغم من عدم القدرة على توظيف هذه القوة بصورة سياسية محضة، أي كمظاهرات قادرة على إحداث تغييرات جذرية، فإن هذه الكثرة قابلة للتوظيف بشكل مؤثر على المدى القريب والبعيد. 

الطريقة الوحيدة للاستفادة من الكثرة والتفوق العددي هي المقاطعة التجارية، خصوصاً في ظل كون أسواق المنطقة حالياً من بين أسرع الأسواق نمواً في العالم في الكثير من المجالات، وإقليماً لا بد من أي شركة تريد التوسع عالمياً الدخول إليها والنجاح فيها. 

لماذا نقاطع؟ 

  • الفاعلية 

تنبع فاعلية المقاطعة من كونها غير قابلة للتحييد عبر المفاوضات أو الاتفاقات السياسية، وغير قابلة للقمع بأي شكل من الأشكال كون الحدود المفروضة على الحريات لا يمكنها لأسباب عملية الوصول حد إجبار الناس على شراء منتجات أو خدمات معينة، إضافة لكونها بطبيعتها مضادة للأدوات الاقتصادية التي تملكها الدول الغربية عادة، وعلى رأسها العقوبات الاقتصادية، التي من شأنها توسيع المقاطعة بدلاً من الحد منها. 

  • الأثر السياسي 

الدول المؤثرة في القضية الفلسطينية في معظمها دول ديمقراطية، ما يعني – بتفكير مبسط – أنه لا بد من استهداف الرأي العام المتكوّن من مجموع آراء الناخبين كي نحقق تأثيراً يذكر على السياسات الخارجية لهذه الدول، ولكن هذا الرهان خاسر سلفاً لسببين؛ الأول هو أن تغيير الرأي العام بعمق كافٍ ينعكس تغيّراً في السياسات الحكومية الخارجية – وليس فقط خطابها – يستغرق وقتاً طويلاً، وعلى الرغم من بدء ظهور ملامح هذا التأثير، فإن علينا الرهان على جيل كامل لن يصبح في موقع مؤثر سوى بعد عقدٍ أو عقدين من الزمن، فترة غالباً ستكون أكثر من كافية ليفوت الأوان على أي تغيير ذي مغزى بالنسبة للفلسطينيين أولاً وبقية العرب المتأثرين بالسياسات الغربية ثانياً. وثاني أسباب لا جدوى الرهان على الرأي العام هو أن السياسات الخارجية غالباً ما تكون بنداً ثانوياً في البرامج الانتخابية وفي قائمة الأسباب التي تدفع الناخبين لتفضيل حزب أو مرشح على آخر.  

في المقابل حين وصل دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة، كانت من أولى قراراته – وبالتالي الوعود التي كان عليه الوفاء بها – تخفيض الضرائب على الشركات، وتخفيض الحد الأدنى للاحتياطيات النقدية لدى البنوك المتوسطة، ما يشير بوضوح للطرف الذي يدين له بفضل الفوز بالانتخابات. 

تأثير الشركات التجارية الكبرى على السياسات الحكومية أكبر بكثير من الرأي العام، خصوصاً في الدول ذات الاقتصاد الليبرالي وتركّز الثروات بشكل مفرط في أيدي قلة من الأغنياء والشركات الكبرى، وبالتالي هيمنتهم على المفاصل الاقتصادية بشكل مفرط مقارنة بالحكومات، وتالياً هيمنتهم على الحملات الانتخابية التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الآتي من هذه الجهات الربحية. 

  • السهولة النسبية 

على الرغم من وفرة المنتجات الأمريكية، توجد اليوم الكثير من البدائل القادمة من دول أخرى، خصوصاً إذا ما قارناها بالوضعية التي كانت عليها الأسواق العالمية مثلاً في نهايات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي. إضافة لذلك فإن المنتجات غير الملموسة، التي تشكل القوام الأهم للتدفقات المالية من دول العالم الثالث إلى الولايات المتحدة اليوم، بات لها الكثير من البدائل الممكنة اليوم، إلى جانب كون الكثير منها متاح بنسخ مجانية لا يترتب عليها وارد مالي للشركات المنتجة لها. 

من نقاطع؟ 

هناك عادة وجهة نظر أساسية في المقاطعة تتمثل في مقاطعة كل ما يتعلق بإسرائيل كدولة، أي كل ما يمثلها حكومياً أو وطنياً، والشركات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية التي تمارس أنشطة مع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ويمكن النظر إلى محصلة وجهة النظر هذه، المتشعبة بأكثر مما يوحي به هذا الشرح البسيط، عبر الاطلاع على قوائم حركة المقاطعة (BDS) التي تحتوي مثلاً أسماء الشركات المشاركة في تقديم الجرافات المستخدمة في هدم بيوت الفلسطينيين مثل كاتربيلار وهيونداي. 

أما وجهة النظر المقدمة هنا فترى بأن المقاطعة لا يجب أن تستهدف إسرائيل نفسها، وذلك لسببين أساسيين: أولهما انعدام التقاطعات الواسعة بين الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصادات العربية، وبالتالي محدودية الأثر القابل تحقيقه، اللهم سوى من قبل العرب المقيمين في الدول الغربية، والذي لا يشكلون أيضاً قوة اقتصادية كافية لإحداث أثر ملحوظ. 

والسبب الثاني هو أن الإجماع الغربي شبه التام على الانحياز لإسرائيل مرتبط بالمواقف الأمريكية، ويمكن اعتبار المواقف الغربية مجرد أعراض جانبية للموقف الأمريكي بهذا الخصوص، إضافة لكون الدعم الملموس المقدم من الولايات المتحدة هو الأكبر بمراحل مقارنة بالدعم المقدم من الدول الغربية الأخرى. 

ماذا نقاطع؟ 

هنا تبرز الأسئلة المحيرة: ما الذي يمكننا اعتباره منتجاً أمريكياً؟ وماذا عن الامتيازات التجارية التي تقوم بموجبها شركات غير أمريكية بتقديم منتجات وخدمات باسم علامات تجارية أمريكية؟ وماذا نفعل حين لا تكون هناك بدائل نافعة؟ وماذا عن البضائع التي يدخل في إنتاجها مكوّنات أمريكية؟ 

 التعريف الأسهل والأنفع هو أي منتج أو خدمة تعود بالأرباح على شركة أمريكية، سواءً أكان إنتاج هذه الخدمة الفعلي يحصل داخل الولايات المتحدة أو خارجها، وحين لا تكون هناك بدائل خالية من المساهمة الأمريكية، نختار الأقل “أمريكية” بينها. 

مثلاً الكثير من المنتجات التكنولوجية يتم تصنيعها في الصين لصالح الشركات الأمريكية، في هذه الحالة يمكن اعتبار هذه المنتجات أمريكية، كما توجد الكثير من المنتجات التكنولوجية التي تحتوي على مكوّنات أمريكية، مثل وحدات المعالجة المعروفة من إنتل، وفي هذه الحالة الأفضل التوجه لمنتج من شركة غير أمريكية – كورية أو يابانية مثلاً – وإن كانت يحتوي على وحدات معالجة أو وحدات معالجة رسوميات أمريكية، لكن الابتعاد عن المنتجات الكاملة المقدمة من الشركات الأمريكية. 

ماذا عن الخدمات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي؟ 

تعد وسائل التواصل الاجتماعي الجزء الأكثر تسبباً بالحيرة، فباستثناء تيك توك، لا يوجد تقريباً أي بديل غير أمريكي، حيث تسيطر شركات ميتا ومايكروسوفت وغوغل وآبل على معظم الخدمات الرقمية (مثل البريد الإلكتروني والتخزين السحابي… ألخ) ووسائل التواصل الاجتماعي. 

في هذه الحالة الإجابة هي ببساطة أن نقوم، عند القدرة، باستخدام النسخ أو المكونات المجانية فقط من هذه الخدمات، مثلاً لا يمكننا التخلي عن استخدام فيسبوك وإكس وإنستغرام وما إلى ذلك، ولكن المهم في هذه الحالة الامتناع عن الاستعانة بخدماتهم المدفوعة أو شراء مساحات إعلانية عليها. 

في هذه الحالة، وعلى الرغم من المساهمة في استمرار عائدات هذه الشركات بسبب الاستخدام الواسع لخدماتها، ستكون هناك إمكانية لتخفيف عائداتها المباشرة من قبلنا، ويعتمد هذا الجانب بالذات على أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، والتي يمكنها التوجه للإعلان بشكل غير مباشر عن طريق المؤثرين وغيرهم من شخصيات السوشيال ميديا ذوات الأعداد الكبيرة من المتابعين. 

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها