فجأة اجتاحتني نوبة عشقٍ نحوكِ، تلك الرسائل القصيرة المقتصرة على سبعين حرفاً لم تعد كافية، اللغة بكاملها لم تعد كافية لتهدئة حالة الهيجان التي أصابت قلبي فجأة، سكونٌ تامٌ حولي، ومن بين كل أصوات الكون التي أحاول استحضارها في ذهني لا يحضرني سوى صوتكِ، وحده من بين كل الأصوات يستطيع أن يقتل شعوري بالوحدة، بلا كلمات، يحضرني صوتكِ كصوت، لم أعلم قبلاً أنه أمرٌ ممكنٌ تذكر صوتِ البشر دون كلمات، ذلك يشبه تذكر صوت آلة موسيقية دون لحن.
لم يعد لدي ما يكفي من الصبر كي أنتظر الصباح الذي يبدو وكأنه لن يأتيَ أبداً، لم يعد لدي من الصبر ما يكفي كي أكتب أشواقي على هاتفٍ ذكي، لا! ليس ذكياً، وهو أغبى ما صنعه الإنسان يوماً، تلك الكلمات التي أنقلها إليكِ لم تحمل ارتجافاتِ يدي، لم تحمل انقطاع نفسي حين أدركُ أنك حقيقية ولستِ شخصية اختلقتها في إحدى قصصي، وهربت حاشرة نفسها في ما أظنه واقعاً من جديد.
تهرّبي من الرد على رسائلي كما شئتِ، تهرّبي من الوجود لا يهمني، ليست اللذة التي أجنيها هي لذة اللقاء بكِ، ليس لذة تقبيلك في كل مساحةٍ خالية من الزمن، ليست لذة ملامسة بعض جسدكِ من خلف القميص، وجودكِ المادي نفسه ليس لذة بعد اليوم، تلك اللذة التي أعيش، والنشوة التي أصلها مئات المرات كل نهارٍ هي لذة الاعتراف بقدرتي على الوصول إلى حدودٍ جديدة من العشق كل يوم، هي لذة معرفة الفرق بين الحب والوجد، بين الألم والعذاب، هي لذة إدراك مستوياتٍ جديدة من الاستمتاع بالألم، من الصراخ فرحاً بتصاعد العذاب بسرعة جنونية، هي لذة الهرب التام من أشلاء المادة إلى جسدِ الروح المكتمل في زمنٍ معدوم.
“الطعام الذي لا نتذوقة أشهى من ذاك الذي نتذوقه”، لا أذكر من أين تسربت إلي هذه العبارة، ولكني أفهمها تماماً حين أفارقكِ كل مرة، أشعر بوترٍ كلما شُدّ ازدادت متعتي، هذا الوتر مربوط بين شفتيّ وعنقكِ، ابتعدي كما شئتِ، فكلما زادت المسافة زادت المتعة، وإن شئتِ ابتعدي إلى أقصى المسافات التي استطاعت الجغرافيا رصدها، حينها سينقطع هذا الوتر النرجسي، وسأموتُ فرحاً، سأموت بجرعة زائدة من المتعة.
تتقارب السطور من بعضها كل ما استمريتُ في هذا البوح الجبان على ورقة ضعيفة لا تملك سوى ابتلاع كلماتي بجبنٍ وإذعان، بوحي التالي عليه أن ينتقل إلى مستوىً جديد لم يعرفه كُتابُ الأرض بعد، سيكون بوحي التالي على جسدكِ، على أجزاءٍ لم تعتادي تنظيفها أو إزالة الشعر عنها من جسدكِ، على أماكنٍ من هذه الكتلة من اللحم لم تعلمي بوجودها قبلاً، وحدي اكتشفتها، لم أستطع إخباركِ عنها، لم أتمكن من رسمها أو وصفها، ليس لي سوى البوح عليها – وليس عنها – كي تعلمي بوجودها، كي تتلمسيها في المرة القادمة التي تتحسسين فيها جسدكِ وتغرين نفسكِ بمزيدٍ من النرجسية والغرور المستحق.
ارتُكِبت الكثير من الجرائم في بلدي، قتل وتشريد واعتقال وكم أفواه، جرائم لا تحصى، ارتكبت وترتكب كل يوم، لكن الجريمة الأكبر التي لن يسامح الزمن كل أبناء وطني عليها هي إبعادُ جسدكِ عن شفاهي، إبعاد أصابعي عن أوتار عنقكِ، تلك الجريمة الوحيدة في عالمي المطلي بالسماوات التي يجب أن تستنفر لأجلها جميع محاكم وقضاة وناشطي حقوق الإدمان في العالم، بعدي عنكِ هو الجريمة التي لن أسامح العالم عليها حتى ساعة موتي، آمين.