الدين والفاصولياء..

في صغري مررت بمعضلة صغيرة، أعتقد أن جميعكم مررتم بها مع تغير الطبق ربما، هذه المعضلة هي حين وجدتُ شعرة في صحن فاصولياء كنتُ أتناوله، حينها اعتبرت أن صحن الفاصولياء تلوث، وفي الوقت نفسه لو وصلت الفاصولياء وصلصة البندورة التي تغمرها إلى شعري سأعتبر أن شعري قد تلوث، وبقيت دائماً أتساءل وأسأل الآخرين عن هذا الأمر من باب المتعة؛ أيهما القذر وأيهما النظيف؟ الشعر أم الفاصولياء؟ الفاصولياء ولا بد نظيفة وإلا لما كنا أكلناها، ولكن رغم ذلك لا نريدها أن تصل لشعرنا، رغم أننا نسمح لها بالمرور من فمنا الجزء الذي يفترض به أن يكون الجزء الأكثر عناية بنظافته، ولكن شعرنا لا، وشعرنا لا بد نظيف، فنحن نعتني به كل يوم، نحممه، ننظفه، ولا ندع شيئاً قذراً يصل إليه، ورغم ذلك لا نريد أن يصل شيئٌ من شعرنا النظيف هذا إلى صحن الفاصولياء.

ربما هذا المثال البسيط يساعدني في شرح فكرة أن امتناعنا عن خلط بعض الأشياء ببعضها ليس سببه قذارة أحدها، وليس كون أحد هذه الاشياء يوسخ الآخر، لكن ببساطة لأن هناك أشياء غاياتها مختلفة ولا يجوز أن تلتقي، ومن هذه النقطة سأحاول أن أشرح لماذا – على الأقل برأيي أنا – لا أريد من شيئين، أو مؤسستين، عدم التقاطع أبداً، وعدم دخول أحدهما في الآخر.

الشعر في مثالي هذا هو الدين، والفاصولياء هي السياسة، وسننطلق من فرضية أن الدين جيد، ونتجاهل أن الرجال والمؤسسات الذين يستترون بستار الدين ليسوا بالضرورة بقدر جودته، الفاصولياء هي السياسة، والمقصود بالضبط هي عملية الحكم وتناقله بين الفرق الاجتماعية المختلفة.

مهمة الشعر ليست واضحة بالنسبة لي، وكذلك هي مهمة الدين، ولكن بعيداً عن مهمته البيولوجية فإنه في حياتنا له مهمة معنوية إلى حدٍ ما، وهي جعلنا نبدو أجمل، وزيادة ثقتنا بأنفسنا كل ما كانت عنايتنا بشعرنا أفضل، أما الفاصولياء فمهمتها تزويدنا بالبروتينات النباتية التي نحتاجها، ومن هنا لا يمكن للفاصولياء أن تجعلنا نبدو أجمل، كما لا يمكننا أن نحصل على البروتينات التي  نحتاجها بأكل الشعر.

وكذلك فإن الدين له وظيفته، والعملية السياسية لها وظيفتها، ومحاولة جعل أحدهما يقوم بوظيفة الآخر لن يؤدي لتحسين تلك الوظيفة، فمثلاً في الدين الديمقراطية ليس بالشيء المفيد، تخيلوا أن يقوم المسلمون بتصويت لتقرير إن كان الكحول محرماً أو لا، أو أن يقوم المسيحيون بتصويت على السماح بتعدد الزوجات أو تحريمه، وكذلك الدين لا ينفع في السياسة، قد يكون مثالي مبالغاً فيه، ولكن إن تخيلنا استخدام الطرق الشرعية الدينية في السياسة، أن يكون هناك مفتٍ يفتي بأن هذا الرئيس انتهك الدستور ورئيس الوزراء ذاك لم ينتهكه، ستصبح المواد القانونية بلا فائدة، أثرها مبني على حكم شخصي، وكتابتها لا تحقق ضمان تطبيقها للغاية التي وضعت من أجلها.

رغم هجومي المتكرر على الدين ولكن وظيفته الجيدة على الأقل في ظل مجتمعٍ محافظ ومليء بالتناقضات كمجتمعنا العربي لا يمكن إنكارها، وإقحامه في السياسة لن يقدم له شيئاً سوى أن يصبح أكثر تعقيداً، ويصبح أكثر اهتماماً بحكم الجماعة بدلاً من اهتمامه بتقديم الراحة الداخلية والتصالح مع النفس للإنسان الواحد.

والسياسة التي لا بد أنني لست بحاجة لانتقادها، قبل قيامها على حرية الرأي والمعتقد والتعبير عنه، فإنها تقوم قبل كل شيءٍ على حرية المشاركة، بمعنى أن المشاركة في العملية السياسية ليست واجباً كالضرائب وكالصلوات في الدين، ولذلك فإن أقحام الدين في السياسة سينسف أو على الأقل سيقلل من حق الامتناع عن المشاركة في العملية السياسية، ويجعلها الفرض السادس ربما.

عندما سئل يسوع المسيح عما إذا كان على المؤمنين أن يدفعوا الضرائب طلب ممن سأله أن يدفع له بقطعة نقدية، وسأله حينها عن صاحب الصورة المصكوكة عليها، فعبر عن الموضوع بكلماته قائلاً “أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر”، وبكلماتي الخاصة – مع انعدام إمكانية التشبيه بالطبع – فإني أقول لكم “أبعدوا الشعر عن الفاصولياء”.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها

4 أفكار عن “الدين والفاصولياء..”

  1. جميل جداً المثال , ومقنع إلى حد كبير …. وذلك بغض النظر أنني أملك نفس وجهة النظر عن فصل الدين عن السياسة …. تحياتي لك مناف و تعرف أنني متابع مخلص لبلوكة 🙂

  2. يعني بكلام آخر : الكتشب كتشب والشوكولا شوكولا ” زياد الرحباني “

التعليقات مغلقة.