اليوم 18 كانون الأول هو اليوم العالمي للغة العربية، والسبب في ضرورة وجود يوم عالمي وليس وطني أو قومي للغة العربية هو وجود ملايين المتحدثين بهذه اللغة خارج الدول العربية، سواء كلغة أم في الجاليات العربية المتنامية في أوربا والأمريكتين، أو كلغة ثانية خصوصاً في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة أو العلاقات التجارية القديمة مع المجتمعات العربية، بعيداً عن الدعوات ذات الطابع السياسي أو الأيديولوجي لدعم اللغة العربية، وبعيداً عن الرومانسيات التي تتحدث عن كونها اللغة الأجمل، هناك عدة أسباب تجعل من الضرورة بمكان لكَ كعربي أن تمنح تعلم اللغة العربية وتعزيزها مزيداً من وقتكَ وجهدكَ، خصوصاً إن كنت من العرب الذي يجيدون التحدث بالعربية المحكية ولكن ليس الفصحى، أو لا يجيدون كتابة اللغة العربية أو قراءتها، سواءً بسبب نشأتك في بلد أجنبي أو بسبب تلقيك لتعليمك بلغة أجنبية.
رابع اللغات الأكثر استخداماً:
في عام 2015 لم تكن اللغة العربية بين اللغات العشر الأكثر استخداماً على شبكة الإنترنت حتى، وكانت ترد عبارة “تعزيز المحتوى العربي على الشبكة” في توصيف الكثير من المواقع ومنصات النشر الإلكتروني، اليوم اختلف الوضع، وأصبحت اللغة العربية رابع أكثر اللغات استخداماً على الإنترنت، ويشكل مستخدموها حوالي 5.3%[1]، ويمكن اعتبارها الثالثة إذا أخذنا في عين الاعتبار الوضعية المغلقة لشبكة الإنترنت في الصين، التي تحتل لغتها المرتبة الثانية.
هذا الأمر يعني الكثير من الفرص الاستثمارية، وجمهور يزيد عدده عن 184 مليون نسمة في الدول العربية وحدها[2]، جمهور يملك ميزة الامتداد الجغرافي الموحد، بعكس المتحدثين باللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية مثلاً، وبعيداً عن الإنترنت فإن عدد المتحدثين باللغة العربية كلغة أولى بلغ سنة 2017 حوالي 295 مليون نسمة، وهو عدد يزيد عن المتحدثين باللغات البرتغالية والروسية واليابانية والألمانية والفرنسية كلغة أولى[3].
ثبات طويل الأمد:
بعيداً عن الأبعاد الاجتماعية والدينية للأمر، فإن كون اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، الكتاب المقدس للديانة الأكثر انتشاراً بين العرب، جعلت من هذه اللغة قادرة على الثبات من ناحية قواعدها وكيفية كتابتها وعدم تأثر الجانب المعياري منها كثيراً باللهجات العامية التي تطورت على مدى 14 قرناً باتجاهات مختلفة متأثرة بشتى اللغات الأجنبية سواء للسكان الأصليين في الأقاليم التي استوطنها العرب مع توسع الدولة الإسلامية، أو لمختلف الاحتلالات التي سيطرت لقرون طويلة على هذه الأقاليم.
هذا الثبات هو ميزة تفتقدها معظم اللغات دارجة الاستخدام اليوم في العالم، والتي نشأت في الغالب بعد نشوء العربية وتجليها بشكلها الحالي بعدة قرون، ما يجعلنا قادرين على قراءة تراثٍ مكتوب بعيد زمنياً عنا، سواء كان مكتوباً باللغة العربية أو مترجماً إليها، ففي حين نجد روايات تشارلز ديكينز المكتوبة في القرن التاسع مثلاً تنشر اليوم بإنجليزية “حديثة” لتسهيل فهمها، لا نحتاج كثيراً من الجهد لقراءة الأعمال العربية المكتوبة في نفس الفترة، وحتى إن عدنا عدة قرونٍ إلى الخلف سيكون العائق هو فقط بعض السياقات التاريخية الغريبة أو المفردات التي يمكن تجاوز صعوبتها بالعودة للمعاجم.
لغة غير محايدة:
من المشاكل التي تواجهنا عند قراءة الكتب أو المقالات باللغة الإنجليزية حياد الكثير من الكلمات والاصطلاحات، أي استخدام نفس صيغ الأفعال وبعض الضمائر لكل من الذكر والأنثى، وكذلك الأمر بسبب وجود الكثير من الكلمات التي تحمل معنى الفعل والاسم في الوقت نفسه، هذا الارتباك يكون بدرجة أقل في العديد من اللغات الأخرى التي تميز بين حالات التذكير والتأنيث أو الفعل والاسم كتابة أو لفظاً أو كليهما، ومن بينها اللغة العربية، التي يصل فيها الأمر حد التمييز بين الجمع والمثنى، ما يتيح وضوحاً أكبر في المعنى وتفادي الالتباس في كثير من الحالات، ويعني فهماً أعمق للكثير من الكتابات عند قراءة ترجمتها العربية بدلاً من الإنجليزية، خصوصاً الكتابات المخطوطة أصلاً في لغة تميز بين الأنثى والذكر وبين الفعل والاسم كما هي الحال في الفرنسية.
تراث علمي معرّب:
بسبب توجهات سياسية معينة في العديد من الدول العربية، وأيضاً بسبب استمرارية بعض المؤسسات العلمية – الدينية لعدة قرون، فإن قسماً كبيراً من التراث العلمي وقواميسه أصبحت معربة ابتداءً من القرن الماضي، وعلى عكس الكثير من الشعوب الأخرى التي تضطر لاستخدام الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية ضمن اللغة الأم للتعبير عن الكثير من المصطلحات العلمية والتقنية غير الموجودة في لغتها، فإن الأبحاث العلمية ممكن إجراؤها بالعربية دون الحاجة لكتابتها باللغة الإنجليزية، كما هي الحال بالنسبة لحوالي 80% من الأبحاث العلمية حول العالم حسب دراسة أجريت سنة 2012[4].
التعلم باللغة العربية يسهل المهمة على مئات الملايين من العرب لدخول عالم العلوم دون الحاجة لعناء تعلم لغة أجنبية، أو الأكثر صعوبة التعلم بلغة أجنبية، وأصبح الأمر أكثر سهولة مع ظهور بعض المشاريع المعنية بالترجمة، مثل “الأرابيك” و”كلمة” ومشروع “مدرسة” الذي انطلق في أكتوبر الماضي ويحتوي على أكثر من 5,000 فيديو تعليمي للعلوم التطبيقية (فيزياء، كيمياء، رياضيات، أحياء، علوم عامة).