ما هي مشكلة البشر؟ الإجابة في ثلاثة كتب من عالم المعرفة

على الرغم من الجهود التي تقول جميع الأطراف أنها تبذلها، فإن الأزمات العالمية ما زالت تظهر وتزداد سوءاً، وما إن تنتهي حرب حتى تندلع ثلاثة حروبٍ بدلاً منها، ومع كل صيف يأتي تظهر التغيرات الحادة التي تصيب المناخ وآثارها الكارثية على مناطق تزداد اتساعاً كل عام، هل تساءلتم يوماً ما هو الخلل في الحضارة البشرية حتى أصبحت عاجزة إلى هذا الحد عن تحقيق أبسط متطلبات الحياة للبشر؟ ولماذا تعجز عن مواجهة تحديات تهدد وجودها مثل التغير المناخي والمجاعات واتساع رقعة الفقر؟ ثلاثة كتب، صدرت ترجمتها عن سلسلة عالم المعرفة الشهيرة، تقدم نظرة عامة للعوامل التي تتحكم بحاضر ومستقبل البشرية، والوضع الحاضر الذي تواجهه على مستوى البيئة والمناخ، ومن ناحية المآزق الاقتصادية التي تؤثر على حياة مليارات البشر.

 

المستقبل: ستة محركات للتغيير العالمي – آل غور

في تصريح أخير له حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن العالم سيواجه تغيراً مناخياً خارجاً عن السيطرة، واصفاً ادعاءات الحكومات أن لتفادي هذا التغير تكلفة مرتفعة “كلام فارغ”، وفي العام الماضي حذرت منظمة الصحة العالمية من التراجع الحاد في المضادات الحيوية في مواجهة ارتفاع مقاومة بعض الطفيليات الحيوية للمضادات القديمة، ضاربة مثالاً بالبكتيريا المتسببة بمرض السل، والتي تقتل حوالي ربع مليون شخصٍ سنوياً بعد أن طورت نفسها لمقاومة المضادات الحيوية.

المستقبل لم يعد مسعىً لغدٍ أفضل، بقدر ما أصبح سعياً لتفادي عدة كوارث كل منها كفيلة لوحدها بالقضاء على الجنس البشري، مدفوعة بمجموعة من العوامل التي تتسبب بهذه الكوارث المقبلة، أو تعطل الحلول الكفيلة بتفاديها على الأقل، والتي يوردها هذا الكتاب من تأليف آل غور نائب الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في دورتيه الرئاسيتين بين عامي 1992 و2000، ومرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2000.

يقدم آل غور ستة نواحي أساسية للوضع العالمي يرى أنها ستؤثر على مستقبل البشرية، وترسم شكل الصراعات والأزمات المقبلة، أولها هو “شركة الأرض”؛ أي الاقتصاد العالمي المترابط بشكل عميق، والذي يعمل ككيان واحد خارج الحدود الوطنية، خالقاً نمطاً جديداً من العلاقات مع المجتمعات والقوى العاملة والموارد الاقتصادية والحكومات المحلية، وثانيها هو “العقل العالمي”، ويعني به الثورة التكنولوجية التي أصبحت معممة عالمياً في القرن الحادي والعشرين، وما أدت إليه من تواصل عالمي على مستوى المعلومات والأفكار وتنامي دور التكنولوجيا في حياتنا أكثر من أي وقتٍ سابق.

العامل الثالث هو اختلال ميزان القوى في العالم، أو بكلمات أخرى انتقاله من نموذج التوزيع المعتاد بين معسكرين، ونموذج القطب الواحد الذي ساد إثر ضعف وانهيار الاتحاد السوفييتي، إلى نشوء مراكز ثقل سياسية واقتصادية جديدة، خصوصاً مع ظهور الاقتصادات الناشئة التي لم تعد تابعة كلياً لأحد الطرفين.

والعامل الرابع هو ما يدعوه “النمو السريع غير المستدام” في أعداد السكان وحجم المدن واستهلاك الموارد، واستنزاف الموارد الطبيعية، خصوصاً الزراعية والمائية، والذي يوجَه بواسطة “مجموعة غريبة ومشوهة من المقاييس المقبولة عالمياً والتي تعمينا عن رؤية العواقب المدمرة للخيارات الخادعة التي نتخذها بشكل روتيني”.

تحت عنوان “إعادة اكتشاف الحياة”، يقدم غور العامل الخامس الذي يراه مؤثراً في مستقبل البشرية، ويعني به التقنيات التي تسارع ظهورها في العقدين الأخيرين في مجال علوم الأحياء والكيمياء الحيوية والجينية، والتي تتيح لنا تغيير الكثير مما كان سابقاً من صلاحيات الطبيعة فقط، مثل سمات الأجسام والنباتات والحيوانات وحتى البشر، وما يترتب على ذلك من حلول لمشاكل مصيرية قديمة وخلق مشاكل جديدة.

وأخيراً يتحدث عبر ما يسميه “الحافة” عن الوضع الحرج الذي وصلت إليه البشرية فيما يتعلق بالاحتباس الحراري والتغير المناخي خصوصاً، ما أدى إلى ظهور “علاقة جديدة جذرياً بين القوة الإجمالية للحضارة البشرية والنظم الإيكولوجية للأرض، بما في ذلك على وجه الخصوص النظم الضعيفة الأكثر عرضة للضرر – وهي الغلاف الجوي والتوازن المناخي”.

على الرغم من تحيز الكتاب في كثير من المواضع، الاقتصادية خصوصاً، إلى وجهات النظر الأمريكية، والمبالغة في تقييم الدور الأمريكي في التوازن العالمي، فإنه يعد مخزناً كبيراً للمعلومات والأبحاث والإحصائيات التي تصف وضعية الحضارة البشرية في الوقت الحالي، خصوصاً في مناحيها السلبية، ويقدم صورة عامة وشاملة للمشاكل الكبرى التي لا تشغل جانباً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام.

صدرت الترجمة العربية لهذا الكتاب على يد د. عدنان جرجس عام 2015 عن عالم المعرفة في العددين 423 (أبريل 2015) و424 (مايو 2015).

 

مدار الفوضى: تغير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف – كريستيان بارينتي

ليست صدفة أن سوريا التي شهدت حرباً عنيفة في السنوات الأخيرة، شهدت قبل ذلك سنواتٍ من الجفاف، زادها قساوة جفاف نهر الخابور – أحد روافد نهر الفرات – متسبباً بأضرار عميقة لأكثر من 1.3 مليون شخص وفقاً للأمم المتحدة، أو أن العراق، الذي شهد امتداد الحرب السورية عبر معاركه في السنوات الأخيرة مع تنظيم الدولة الإسلامية، يشهد اليوم موجة جفافٍ قاتلة بعد أن قطعت تركيا إمدادات المياه عنه، مهددة مساحات شاسعة من الأراضي بالخروج عن الخدمة الزراعية، ومئات آلاف المواشي بالموت.

عوامل الأزمات والهلاك التي يحرضها التغير المناخي أبعد من مجرد الآثار البيئية، خصوصاً إذا اجتمع مع عنصرين آخرين هما الفقر، وتوافر الجاهزية للعنف المسلح، أو ما يسميه الصحفي الاستقصائي كريستيان بارينتي “التجمع الكارثي” للتغير المناخي والفقر والعنف.

في هذا الكتاب، الصادر سنة 2011، يقوم الصحفي الاستقصائي كريستيان بارينتي بمتابعة ما هو أبعد من مجرد الآثار البيئية للتغير المناخي في ما يسميه “مدار الفوضى”، وهي المساحة الجغرافية المحصورة بين مداري السرطان والجدي، والتي تتأثر أكثر من بقية العالم بالتغير بالمناخي، سواء من خلال التصحر المستمر وانعدام صلاحية الكثير من أراضيها للزراعة كل عام، أو من خلال اختلال النظام المناخي وخصوصاً الرياح ومواسم الأمطار فيها.

يرى أن التغير المناخي يحرض كوارث وصراعات بشرية حين يجتمع مع الفقر الشديد المنتشر في شتى الدول نتيجة السياسات الاقتصادية الليبرالية المفروضة على هذه الدول، خصوصاً خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والعنف الموجود في هذه الدول، خصوصاً الناجم عن الحروب والصراعات الداخلية بالوكالة، إثر التنافس الأمريكي-السوفييتي على هذه الدول في السابق، وما خلفه من مستويات مرتفعة من التسلح.

يقدم الكتاب أمثلة عن آثار هذا التجمع الكارثي في كينيا، حيث دفعت موجات الجفاف المتتالي القبائل الرعوية إلى التحرك بعيداً عن أراضيها المعتادة، والصراع مع بعضها البعض على الموارد والمواشي التي تموت باستمرار بسبب ندرة المياه، وفي البرازيل والمكسيك حيث دفع التغير المناخي الملايين من السكان إلى هجرة أريافهم والعيش في أحزمة الفقر المحيطة بالمدن، حيث تنتشر تجارة المخدرات والجريمة المنظمة، أو إلى البحث عن مسارات نحو الهجرة غير الشرعية بحثاً عن بيئة اقتصادية أفضل.

لا يكتفي هذا الكتاب بتسليط الضوء على المشكلة، وإنما يقدم أمثلة على حلول ناجحة لهذه المشاكل، مثل زراعات الغابات التي تقوم بها حركة “ناس من دون أرض” (MST)، أي التحول من زراعة المحصول الواحد التي تتطلب استهلاكاً مفرطاً للأرض واستخدام مواد كيماوية مرتفعة الثمن، إلى محاصيل متنوعة هي عبارة عن مزيج من أشجار الفاكهة والذرة ومحاصيل الغطاء ومحاصيل العنب المتسلق، حيث يقوم هذا التشابك بين أصناف متنوهة بالتقاط الرطوبة “ويخلق توازناً بين الحشرات المتنافسة، بحيث يقلل من الحاجة إلى مبيدات كيميائية أو يستغني عنها”.
صدرت الترجمة العربية لهذا الكتاب على يد د. سعد الدين الخرفان عن عالم المعرفة في العدد 411 (أبريل 2014).

 

صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية – إرنست وولف

في السنوات الأخيرة شهدنا أزماتٍ مالية حادة في دول فقيرة، أو على الأقل خارج نطاق الدول الغنية التي شهدت الأزمة المالية سنة 2007، مثل اليونان التي كانت على حافة التخلي عن اليورو والعودة لعملتها القديمة، بعد الضغوط الشديدة التي تعرضت لها من الاتحاد الأوربي.

والأردن حيث اشتعلت أزمة سياسية إثر رفع الحكومة لأسعار الكثير من السلع والضرائب، في سبيل تحقيق شروط القرض الذي حصل عليه من صندوق النقد الدولي، والأرجنتين التي أعلنت مؤخراً أنها ستلغي نصف وزاراتها لتتمكن من تخفيض الإنفاق العام، لتحقيق شروط صفقة عقدتها مع صندوق النقد الدولي أيضاً للحصول على قرض بقيمة 50 مليار دولار بعد انهيار عملتها لأدنى مستوياتها.

في هذا الكتاب، الذي نشره الصحفي والكاتب الألماني إرنست وولف سنة 2014، كيفية انهيار أو تراجع أو عجز الكثير من الاقتصادات الوطنية حول العالم عن التقدم، من خلال ذات اللاعب الخفي والبارز في الوقت نفسه منذ منتصف القرن الماضي؛ صندوق النقد الدولي.

يروي الكتاب حكاية هذه المؤسسة المالية منذ ظهور فكرة إنشائها لغاية الوقت الحالي، والتغييرات التي أصابت أسلوبها مع الوقت، والمحطات والأزمات العظمى التي تسببت بها أو استغلتها على الأقل، ويرى المؤلف أن صندوق النقد الدولي “يبتز” الدول ويجرد أجيالاً عديدة من “الحلم بمستقبل أفضل”، وأن “ممارساته في دول العالم الثالث تعيد إلى الأذهان تاريخ أبشع عصور الهيمنة الكولونيالية”.

يحكي وولف عن 19 اتفاقية عقدتها الأرجنتين مع صندوق النقد الدولي بين عامي 1956 و1999، بغض النظر عن كون الحكومات التي كانت تعقد هذه الصفقات عسكرية أو ديمقراطية، وبغض النظر عن مدى رضا الشعب عن البرامج الاقتصادية الليبرالية التي طبقتها هذه الحكومات في سبيل التوافق مع شروط الصندوق.

كما يشرح الكتاب كيف تصب معظم تدخلات الصندوق في سبيل ضمان استمرار سداد ديون الحكومات والشركات المالية الغربية، أكثر مما تسعى حقاً لتحقيق تغييرات اقتصادية جذرية تخرج هذه الدول من أزماتها، ويقدم ثلاثة أسبابٍ ساهمت في تنامي نفوذ الصندوق وإمساكه بزمام أمور الكثير من اقتصادات العالم:

أولها إلغاء قاعدة بريتون وودز – حق تحويل الدولارات إلى كمية معينة من الذهب – والتي غيرت وظيفته من الحفاظ على الاستقرار النقدي في العالم إلى “الملاذ الأخير للتزود بالسيولة”، وثانيها هو العولمة وانفتاح العالم على بعضه اقتصادياً، ما جعله قادراً على خدمة المستثمرين الكبار من خلال لعب “دور المشرد إلى فرصهم الاستثمارية العالمية، والدليل على مدى تمتع استثماراتهم بالأمان المنشود”، وآخرها الحاجة إليه لتأمين تغيير هياكل الإنتاج القائمة في الاتحاد السوفييتي والدول الواقعة تحت نفوذه بعد عودتها إلى الرأسمالية.

لا يكتفي الكتاب بالأمثلة من دول العالم الثالث، فيحكي في الفصل الأخير عن دور صندوق النقد الدولي في تغيير شكل الاقتصاد الألماني بعد انهيار جدار برلين، وتحقيق أرباحٍ وعمليات استحواذ هائلة على حساب ألمانيا الشرقية المنهارة، إضافة إلى إنشاء منطقة اليورو التي أصبحت بمثابة ورطة للاقتصاد الألماني اليوم، و”فيما ارتفع عدد المليونيرات الألمان إلى أكثر من مليون، أمست الآن عائلة واحدة من سبع عائلات ألمانية تندرج في قائمة الفقراء أو على حافة الفقر”.

صدرت الترجمة العربية لهذا الكتاب على يد د. عدنان عباس من عالم المعرفة في العدد 435 (أبريل 2016).

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها