كانت تجلس على السرير وقطعة القماش تلك بجانبها، لم أتوقع يوماً أن يصل هذا التقليد – أو أياً كان اسمه – إلى منزلنا، لم أعلم يوماً منها الإيمان أو الالتزام الديني، ولم أعلم أبداً من أهلي ذاك الخضوع المفرط للفزاعة.
كانت أختي وحيدة في المنزل تلخص إحدى مقررات الجامعة حين رن هاتفها…
“في المنزل أنتَ؟ حسناً ارفع السماعة..”
أحاديثهما أعلم أغلب ما فيها، لم تكن أختي – على الرغم من كونها الكبرى – تخفي شيئاً عني.
كالعادة يطلب منها أن يأتي ليطلب الزواج منها من أبي وأمي وهي ترفض أن يفعل ذلك قبل التخرج، ينطق بكلماتٍ تجعلها حائرة في أمرها، حين ينطق بالكلمة الوحيدة تشعر بكل ما فعلتْ في حياتها بلا قيمةٍ أمام تلك الكلمة، ولكنها أبتْ أن ترتدي خاتماً في أي يدٍ قبل أن تتخرج من الجامعة على الأقل.
– ماذا ستفعلين مساءً؟
– لا شيء، سأتابع دراستي وقد أذهب مع أخي إلى منزل خالي..
– ألا تستطيعين أن تلغي ذلك وتذهبين معي..؟
– لا، فقد رأيتكَ ثلاثة أيام متتالية، وهذه الأيام كافية على ما أظن لتشتتني عن دراستي.
– حسناً حبيبتي، ولكن لا تنسي أن تتصلي بي قبل أن تنامي ..
قاطعهما صوتٌ ثالث: “نور أنهي اتصالكِ وتعالي إلى غرفة الجلوس..”
كانت تلك والدتي على سماعة أخرى..
ارتعب مازن وأنهى الاتصال، أما هي فتوجهتْ إلى الغرفة كما طلبتْ والدتي..
– مع من كنتِ تتكلمين..؟
– صديقي من الجامعة.
– و هل كل أصدقاؤكِ ينادونكِ “حبيبتي”؟
– لغو
– لغو! وهل طلبه منكِ أن تتصلي به قبل أن تنامي كان لغواً أيضاً؟
– حسناً، إنه يحبني، ولكننا لا نفعل شيئاً خاطئاً، هو يريد منذ شهور القدوم إليكم كي يطلب منكم الزوج بي ولكن أنا من يؤجل ذلك حتى أتخرّج.
– اقتربي قليلاً..
أمسكتْ بها من شعرها وقالتْ لها:”لستِ أنتِ من يحدد الخاطئ والصحيح، ولو كنتِ بالفعل لا تخطئين لما كنتِ أجلتِ قدومه، ولكنكِ تخافين أن تجدين غيره يعجبكِ أكثر منه ولا تستطيعين أن ترتبطي به لأنكِ مخطوبة أليس الأمر كذلك..؟”
“ما قلتيه يصلح قصة لفيلم مصري ولكن ليس ذلك ما يحصل بيننا..”
لم تستطع أن تكمل جملتها حين تلقتْ الصفعة على وجهها، أخذتْ شفتها تنزف من خاتم زواج أمي، وحينها دخل والدي إلى المنزل وسمع أصوات الصراخ وصوت الصفعة، فدخل جارياً إلى الغرفة.
“ما الذي يجري؟ لِمَ هذا الصراخ؟”
نظرتْ إليه ثم نظرتْ إلى نور وقالت:” اذهبي إلى غرفتكِ، وانتظري حتى آتي إليك!”
جلستْ في غرفتها تنتظر ما سيحصل لها، متأملة أن يكون موقف والدي الصحفي أقل عنفاً من أمي، أخذتْ تتأمل الكتاب، وتسأل نفسها بصمتٍ إن كانت الأمور التي حصلتْ منذ لحظات تعني بشكلٍ أو بآخر أنها لن تكمل دراستها.
بعد لحظاتٍ فتح والدي الباب وقال لها دون أن ترفع رأسها لتنظر إليه: “ارتدي ملابسكِ ستذهبين مع أمكِ إلى الطبيب”
لم ترفع رأسها لتسأله ما علاقة الطبيب بأمرٍ كهذا، ارتدتْ ملابسها وهيأت نفسها للخروج، وحين كانت جاهزة وعلى وشك الخروج دخلتُ إلى المنزل ورأيتُها واقفة على باب غرفتها وعينيها تقطران حزناً، ولكن ليس دمعاً.
أخافتني شفتها النازفة، ولكن لم أسأل.. بل لم أجد الوقت لأسأل، وجدتُ أمي مرتدية ملابسها أيضاً، حين رأتها قالتْ جملة لم أفهمها ونور لم تفعل أيضاً على ما يبدو:” لا لن تخرجي من المنزل بهذا المظهر، انتظري قليلاً..”
عادتْ أمي إليها ورمتْ على سريرها شيئاً ما موضوعاً في غلافٍ من النايلون، وأغلقتْ باب غرفتها.
توجهتُ إلى غرفة أهلي فسمعتُ أبي يقول لأمي:” إن سألكِ أحد قولي أن لها ألمٌ في بطنها وأردنا التأكد أن المشكلة ليستْ في الرحم، لا أريد فضائح لهذا المنزل..”
ذهبتُ إلى غرفة نور فرأيتها واضعة حجاباً لأول مرّة في حياتي، وهي لم تكن تقبل أن تضعه حتى حين كنا أطفالاً نلعب “بيت بيوت” سوياً، وفهمتُ حينها أنهم علموا بموضوع مازن.
نظرتُ لأختي وأقسمُ أني لم أكن أعرفها مرتدية الحجاب، ولم أعرفها مرتدية الحزن على وجهها، كانت تعلم أنها إن خرجتْ مرّة من المنزل مرتدية الحجاب فلن تستطيع بعد اليوم الخروج غير مرتدية إياه خوفاً من (الفضيحة).
تذكرتُ قول أحد الدعاة أن الحجاب لا يحد من حرية الفتاة بل يزيد منها، وحتى الآن أفكر إن كانت مظهر أختي نور في تلك اللحظة يمتُ للحريّة بصلة.