من تكون حبيبتي؟

في ذلك النهار كنا نسير، في مكان لا نعلم عنه شيئاً، مكان جديد ورغم ذلك شعرنا أننا في الوطن، يدي تمسك يدها، تشد على يدي، أرد وأشد على يدها بالمقابل، ونسير.. لا نعلم أين نتجه ولكن نعلم أننا سوياً، وهذا ما كان مهماً لنا.

صوتٌ غريب بدأ يتردد حولنا، صوت لطيف ولكنه مخيف، كان كصوت عصفور يودع الحياة، اقتربت مني ودست يدها في ذراعي، تمسكت بي، وزرعت رأسها على كتفي…

“ما هذا الصوت؟”

“لا أدري، ولكن لا يبدو أنه مخيفٌ جداً..”

“ما الذي أدراك؟”

“لا أدري.. ولكن أشعر أن الصوت لطيف، كأنه عصفور أو طير يموت ربما..”

“إن كان كذلك فهو ليس مخيفاً ولكنه حزين، من المحزن جداً أن تموت الطيور..”

ليس الحزن مناسباً لما نحن فيه الآن، تابعنا سيرنا ومازالت يدها داخل ذراعي، وبقيتْ تشد على ذراعي وأنا أمد يدي الثانية وأمسد على يدها مطمئناً إياها، رأينا عجوزاً تقف بانتظارنا، لم نتبين وجهها جيداً إلى أن صرنا أمامها، كان الضباب يجعل كل شيءٍ غاية في الغموض، يجعل البعيد غير موجود بالنسبة لأنظارنا.

وقفنا أمام تلك العجوز، وهي تنظر إلينا بابتسامة تفتقد الأسنان، ظلت مبتسمة ونحن ثابتان الوقوف أمامها، وهي كانت تعلم أننا لن نبرح مكاننا إلى أن تقول شيئاً، كانت تستمتع بجعلنا ننتظر، وظلت مبتسمة تنقل نظرها بيننا، ثم اقتربت مني قليلاً، وقالت بصوتٍ منخفض: “أتحبها..؟؟”

احتدت ندى وقالت لها “طبعاً يحبني..”

نظرت العجوز إلى ندى نظرة الأب الذي تضحكه سذاجة ابنه، قالت لها “اصمتي أنتِ أنا أكلمه هو”، شددتُ على يد ندى أن اصمتي، نظرت إلى العجوز محاولاً رد اعتبار ندى باستخدام ذات الكلمات التي استخدمتها..

“بالطبع أحبها..”

مدت العجوز يديها إلى وجهينا وقرصتنا مداعبة من خدودنا، ثم قالت لنا “بإمكانكم أن تتابعوا سيركم إذاً..”

“إلى أين نسير أصلاً”

“هل لديك فكرة أين أنتَ أصلاً؟ هل تعرف هذه الفتاة المتمسكة بكَ كدمية؟”

دار رأسي، وشعرتُ أنني بالفعل لا أفهم شيئاً، نظرت حولي بهدوءٍ ولم أتعرف على أي شيءٍ مما حولي، لدرجة أنني لم أستطع أن أسمي الأجسام التي حولي، ومن ثم بحثتُ عن إجابة للسؤال الثاني، نظرت إلى وجه الفتاة التي تتمسك بي، إلى وجه ندى، لم أكن أعرف من هي.. صمتت بشكل غريب، وكأن هذا التشكيك بمعرفتي لها لم يكن أمراً مزعجاً لها، ولكن الحقيقة هي أني لا أعرف من هي، وربما هي لا تعرف من أنا، ربما وجدت نفسها مثلي في هذا المكان دون أن تذكر ما الذي جلبها إلى هنا، ربما هي الأخرى كانت تكتب مثل ما أفعل أنا ولم تفهم كيف قادتها الكلمات إلى هنا… حككتُ رأسي وسألتُ العجوز بصوت أقرب إلى البكاء منه إلى الكلام..

“أين أنا؟”

“أنتَ في المكان الذي طالما أردتَ أن تكون فيه، أنتَ في الغرفة الصغيرة التي كنت تخاف منها في صغرك وما زلتَ حتى الآن تتهيب دخولها، ربما لم تكن تعلم أنها تخفي عالماً كاملاً خلفها، ولكن هذه هي الحقيقة، حين تعود إلى عالمك الممل ربما تزداد خوفاً من هذا الباب الصغير وربما العكس، ولكن أياً كان التغيير الذي سيحصل فإن هناك تغيير سيحصل ولا مفر لكَ من ذلك”

“لا أذكر أن هناك غرفة صغيرة أخاف من الذهاب إليها..”

………

“هيه… هيه، أجبني أين شردت؟”

حديقة، فتاة جالسة على كرسي قريب مني، بجانبها حقيبتي، وشابٌ طويل القامة يقف أمامي، ويطلب مني أن أجيب على سؤاله، “ماذا كنتَ تسألني؟”

“هل تحبها؟”

أظنه يتكلم عن الفتاة التي على الكرسي، يبدو ليَ عنيفاً، سأجيب باختصار، سأقف إلى جانبها ولكن ليس كثيراً.

“نعم بالطبع أحبها”

“أتنوي أن تخطبها..”

ما هذا السؤال؟ عمري 19 سنة فقط، كيف له أن يسألني سؤالاً كهذا وأنا في هذا العمر الصغير؟ ربما هو يفهم الحب على أنه زواج وجنس وأطفال وحسب، سآخذه على قدر عقله، سأجيب بما يريد أن يسمع عله يسمح لها بالتخلي عن الخوف البادي على عينيها وشفتيها المرتجفتان..

“نعم.. قريباً على ما أظن”

“إذا ما رأيك في أن أختصر عليك الطريق وأخبر أهلها عما كنتما تفعلان هنا؟ ألن أوفر عليك الإحراج؟”

“ما كنا نفعله”؟ ماذا كنا نفعل؟ نظرتُ إليها علي أفهم، أوه… هناك علامات حمراء على رقبتها، أستشعر جرحاً سطحياً على شفتيَ، هذا ما كنا نفعله إذاً..

“لماذا فعلت هذا؟”

تباً لكِ أيتها الأماكن، كفي عن التغير كالعاهرات على سرير الأمير، من هذه أيضاً؟ وما الذي فعلته وتسألني عن سببه؟ لماذا تجلس على حضني؟ ولماذا هي عارية الصدر؟

اقتربت من جديد تشتم رقبتي وتقبلني عليها وحتى تعضها أحياناً، وتقول لي بدلالٍ “أجِب.. أجِب”، وتستمر بعضي وتقبيلي وحتى محاولات لما يشبه ابتلاعي، نظرت إلى بنطالها، الزر والسحاب مفتوحين، ما الذي يحصل؟

“هل أنتَ تخادعني؟”

بهذا الوضع الفيزيائي الذي نحن فيه لا أعتقد أنه من المناسب أن أقول أني أخادعها، أو أن أصارحها بحقيقة أني لا أعلم من هي، متى سأستيقظ من هذا الكابوس المزعج.

“لا لستُ أخادعك.. لا أصدق أنه قد خطر لك هذا الأمر أساساً”

نظرتْ لي بعيون طفلة والصقت جبينها بجبيني، قالت بصوتٍ أثار كل ما في قلبي، “أتحبني؟”

ما الذي يحصل؟ خلال أقل من ثلاثين دقيقة عليّ أن أؤكد حبي لثلاث فتيات، حسناً.. أنا وهي كنا نمارس الجنس حسبما أفهم من وضعنا الفيزيائي وملابسها المرمية جانباً، وبنطالي الذي يكاد يتمزق، وأنا عادة لا أمارس الجنس مع فتاة لا أحبها، أو على الأقل لا أعتقد أنني أحبها.

“نعم… أحبك كما لم يفعل شابٌ من قبل”

قبلتني على أنفي، واقتربت مني وعلى وجهها نظرة أفزعتني، وأخذت تهمس في أذني، “قُل اسمي.. قُل اسمي”، تباً؛ لقد تعلمت هذه الطريقة مني، ماذا أفعل الآن؟ لا أعرف اسمها، وإن كانت تمارس اللعبة بطريقتي لن تكف عن مداعبتي حتى أقول اسمها.

بدأت تعض رقبتي، تصفعني، تقبلني كالمجنونة، تغرق رأسي بين نهديها، وهي تصرخ قُل اسمي قُل اسمي، بات الأمر مؤلماً، لم أعد أستطيع التحمل، خصوصاً أن يديها بدأتا المساعدة، وبدأتا بالوصول إلى أماكنٍ “لا تحمد عقباها”، أبعدتها عني بوجهٍ غاضب، وهي وقفت على قدميها تغطي نهديها بكفيها.

“لا أعلم اسمكِ… ولكنني أحبكِ”.

 

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها

فكرتين عن“من تكون حبيبتي؟”

التعليقات مغلقة.