كوريدور

DSCF3361

كلماتٌ غير واضحة، كانت واضحة في حينه، ولكن بعد ثوانٍ مُسح الكثير من ذاكرتي، كانت كلماتٍ كافية لتفزعني، نهضتُ، بدا المحيط مختلفاً، شكل النافذة تغير، اللون تغير، أبيض، في كل مكانٍ أبيض، لديّ ذاكرة ضعيفة عن صوتٍ مرتفع لا أدري مصدرها، صراخٌ في المنزل، شخصٌ ما يطلب من شخصٍ آخر الدخول، وبعد قليل من الهدوء، الزجاج يملأ الغرفة، يملأ المنزل، قمتُ بإحصاء أفراد الأسرة، لم أتفقدهم بأسمائهم ولا بوجوههم، كان المهم أن يكون العدد مكتملاً، معي أربعة، فردٌ ناقص، تناولتُ كاميرتي، لا شيءَ في الخارج يستحق التصوير، حفرة سخيفة في التراب وضجيج أهل الحي، بدأتُ بتصوير الزجاج، بعد كل مصيبة لا يبقى لنا سوى الزجاج، عمق المصيبة يحصل في أجزاءٍ من الثانية، والزجاج يبقى، إلى أن يزيحه أحدٌ ما، نظرةٌ شريرة من رجلٍ يحمل بندقية في الأسفل أفزعته كاميرتي ربما، ابتعدتُ عن الشباك بعد أن أنزلتها دون مستوى نظره، لن أقع في نفس الفخ مرتين، رفعها لم يجدِ نفعاً في المرة الماضية.

نائمٌ يخرج من أحد الغرف، اكتمل العدد، أحاول أن أفهم ما الذي حصل، لم يسعفني الوقت، ولا الانتباه المطمَئِن الذي بالكاد بدأ يرجع، انفجارٌ آخر، حاولت الاقتراب لأتفرج، الدخان الأسود يأتي من خلف البناء المجاور، حاولتُ أن أقترب أكثر من زجاج الشرفة المتكسر للتو، أقل من عشر ثوانٍ من الانفجار يأتي انفجارٌ آخر، أراه بعيني هذه المرة، يضرب سور الحديقة المجاورة لشباك غرفتي، أصرخ كما اعتدتُ أن أفعل كل مرة يزداد اقتراب السلاح من منزلنا “عالكوريدور”، هناك نكون على بعد جدارين من العالم الخارجي في جهتين، قد لا يكون الجداران كافيين لحمايتنا من الموت، ولكن حين تعجز عن حماية من تحب من الموت تسعى لا إرادياً إلى الموت معهم.

رغم كوني الأكثر نظراً لوجه الموت بينهم، أنا الأكثر توتراً، الأكثر ذعراً، لم أفهم ما الذي يحصل، ولكن قذيفتين في ظرف عشر ثوانٍ تبشران بالمزيد، وعلي حمايتهم، أو على الأقل الموت معهم.

لا أدري ما اسمه، ممر، معبر، ردهة ربما، اعتدتُ على اسمه الأجنبي الذي لا أدري من أي لغة أتى، دائماً أتوخى الطرف الأيمن، هناك المكان الأقل حماية، حيث تستطيع الرصاصة المرور من نافذة زجاجية وبابٍ خشبي، وأنا لدي الجسد الأكثر قدرة على الاحتمال بينهم، حين يعتاد الموت وجهكَ يعطيكَ بعض الوقت للتكلم، المكان ضيق، لا يتسع لكرسي لكل فرد من العائلة، لوهلة أقف جامداً، نحن ستة لسنا خمسة، نصف ثانية أو أكثر بقليل ريثما تذكرتُ أنه مسافر، جيد، هكذا سيكون بأمان، وسيكون الكوريدور أكثر قدرة على احتوائنا.

أتذكر حاسوبي، شاشته مفتوحة، أكثر عرضة للأذية، لا أدري إن كان الانفجاران الجديدان قد تسببا بالمزيد من تطاير الزجاج، ولكن علي أن أنتبه قبل إغلاقه كي لا أتسبب بالمزيد من الخدوش، مررتُ من بينهم بسرعة كي أغلق الشاشة، عدتُ بسرعة قبل أن يأخذ أي منهم مكاني، مرت حوالي الأربع دقائق، في المرة الماضية انتظرنا لحوالي الخمس عشرة دقيقة، ولكن بتنا أكثر اعتياداً على النار، أقل خوفاً من الموت، أقل حذراً.

نهضنا، تابعنا، عدنا لتفقد الزجاج، لا شيءَ سوى الزجاج للتفكير فيه، غرفتي مليئة بالزجاج والغبار، روايتي التي كنتُ أقرؤها يوم أمس ملأها الغبار، هذه المرة كان موزعاً على كامل سطحها، ليس كيوم أمس حين استعرتها من أختي، وزجاج، أحاول أن أنفض بعض الغبار الذي بات التمييز بينه وبين الزجاج المطحون صعباً عن طاولتي كي أتمكن من تحريك الحاسوب دون خدشه، لم يكن الأمر سهلاً، تسببتُ ببعض الجروح السطحية لأصابعي، ستزول بعد قليل.

جميعهم كانوا هادئين، فاجؤوني، فشلتُ في الاختبار، كان يجب أن أكون الهادئ الوحيد، جلستُ على سريري، مواجهاً النافذة، أتأملها، أتمنى أن تنفجر من جديد، ويتطاير الزجاج مسبباً الجروح لوجهي هذه المرة بدل ساقي، لم ينفجر، الرسوم التي تركها تكسّر الزجاج على ما تبقى من النافذة جميلة، إحداها تحمل حرف اسمها، لقد خطرتْ لي، إذاً ما زلتُ مشلولاً، ما زلتُ غير قادرٍ على التحرك…

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها

1 فكرة عن “كوريدور”

  1. غزل بغدادي

    .قد لا يكون الجداران كافيين لحمايتنا من الموت، ولكن حين تعجز عن حماية من تحب من الموت تسعى لا إرادياً إلى الموت معهم ……… كلماتك أكثر من رائعة

التعليقات مغلقة.