عذراً سيدي، لم أنتبه لوجودك قرب سريري، كنتُ أنوي الترجل عن السرير، ولو لم أرك في آخر لحظة لكنتُ دستُ عليكَ بكل بساطة، هل تسمح لو تحركت قليلاً إلى اليمين أو اليسار كي أمر؟ عليّ الذهاب إلى عملي، لا، بالطبع لن أذهب مباشرة من السرير، لا بد أن أذهب أولاً إلى الحمام كي أتخلص من السموم التي يتوق جسدي إلى طرحها خارجاً، وعليّ أن أغتسل كي تهجرني رائحة النوم القميئة، وقد أغير ثيابي، لا لشيءٍ، ولكن الحضارة الإنسانية تقترح أن السير في الأماكن العامة بالمنامة أمرٌ غير مستساغ، ولا أحد يريد أن يقوم بأمورٍ غير مستساغة من قبل الجنس البشري، لا أحدَ يريد أن يُرفض.
هل أنتَ بخيرٍ سيدي؟ لا بد أنكَ بلا منزلٍ حتى أتيتَ إلى غرفة نومٍ لشخصٍ غريب، واستلقيتَ على الأرض دون أن تسأل الإذن لذلك، ولكن ما يحيرني هو أنكَ لم تلاحظ وجودَ سريرٍ فارغ في الغرفة، واخترتَ النوم على البلاط الصلب بدلاً من ذلك الفراش الطري المريح، لا أدري إن كان سبب ذلك هو غباؤكَ أم لباقة متطرفة من حيث أخذك بعين الاعتبار احتمال أن يكون هذا السرير لأحدٍ لم يأتِ بعد، بكل الأحوال قد حل الصباح، ولا يمكن أن تنام في النهار، الحضارة البشرية – ذاتها التي تكره المنامات في الطرقات – لم تستمر بالتطور لعدة آلاف من السنين كي ننام بعد الظهيرة في نهاية هذا التطور، سأذهبُ إلى الحمام الآن، وحين أعود سيكون بإمكانكَ استخدامه إن شئتَ.
حين كنتَ مشرداً في الطرقات كانت ستكفيكَ خمس عشرة أو خمس وعشرون ليرة كي تدخل أحد الحمامات العامة، بدلاً من تشويه وجه الحضارة بالتبول على الجدران أو سقاية الأشجار بمخلفات جسدكَ، خمسٌ وعشرون ليرة، ذلك يذكرني بثمن الرصاص، لا أعني معدن الرصاص، إنما الرصاص الذي تطلقه البندقية، لقد سمعتُ من أحد أصدقائي أن سعره ارتفع بسبب الحرب، بات سعر الرصاصة الواحدة خمسٌ وسبعون ليرة، ذلك كان منذ عام، لا بد أن سعرها ارتفع الآن مع ارتفاع سعر الدولار، والأسلحة لا يُدفع ثمنها إلا بالدولار الأمريكي، يوم أمس بالذات أطلق أحد جيراني مخزنين من الرصاص في الهواء احتفالاً بمقابلة الرئيس، هل ترى كم بلغنا من الحضارة؟ حتى مقابلة صحفية هي مناسبة تستحق الاحتفال، ثمن هذين المخزين كان سيكفيكِ كي تدخل إلى الحمام العام لمدة شهرٍ أو أكثر ربما، ولكن لا بأس، كان علينا أن نضحي بالجانب الحضاري المتعلق بعدم التبول في الطريق مقابل الحفاظ على الجانب الحضاري المتعلق بالاحتفال بالمقابلات الصحفية.
عفواً، لا أقصد إزعاجكَ، ولكنك لم تتحرك، علي أن أمر، لا أريد أن أتأخر على عملي، حتى إنكَ لم تستيقظ، إنني أنكزكَ الآن بشدة ولكنك لا تتحرك، إن كنتَ ميتاً من الضروري أن تخبرني بذلك كي أقوم بتصرفٍ لائقٍ بشخصٍ ميتٍ، ليس أمراً حضارياً أن أقوم بنكزكَ وأنتَ ميت، يبدو أنكَ ميت، سأقوم بالاتصال بسيارة الإسعاف، ولكن عليكَ أن تفهم قبل ذلك أن الموت بقربِ سرير شخصٍ غريب ليس أمراً حضارياً على الإطلاق.