الملل هو من الأمور السيئة، ليس أمراً عادياً، ليس مجرد حالة من الغثيان تصيبنا لشدة تكرار الواقع المفتقد للإغراء من حولنا، وأسوأ ما في الملل هو ما ينبؤك به من عجزٍ مستشرٍ، فلو كنت قادراً على القيام بأي شيءٍ يقتله لما كان الملل مسيطراً عليكَ الآن، وكلما استشرت حالة الملل وتفاقمت كانت حالة العجز المستترة وراءه أشد تملكاً وتجبراً، ولولا هذه العلاقة المقرفة بين الملل والعجز لما كان الملل يزعجنا بشيء، الملل ليس سببه عدم القيام بشيء، فكثير من البلهاء يدفعون نقوداً كي يبقوا وحيدين في مكانٍ لا يقومون فيه بشيء، إنما الملل سببه عدم القيام بشيءٍ مجبراً، مضطراً ودون أن تكون لكَ إرادة في ذلك.
كانت تلك الأفكار تدور في رأسي وأنا بانتظارها في تلك الغرفة القذرة التي استأجرتها بثلاثمئة وخمسين ليرة، لقد تأخرت كعادتها، وهذا ليس أمراً جيداً، فالغرفة متاحة لي لمدة ساعتين فقط، وقد خسرت من هذه الساعتين حتى الآن نصف ساعة، سيكون علينا اختصار الكثير من الأمور كي نجد وقتاً لبعض الكلام الذي مللته، ومللي منه مصدره بالضبط ما ذكرته منذ قليل، إنني مجبرٌ على تكراره كل مرة، رغم أنه كان نابعاً من قلبي في المرة الأولى ولكنه الآن تحول لمجرد شريط مسجل علي تكراره كل مرة كي تحبني أكثر، وكي أستطيع أن أصل معها إلى هذه الغرفة بالذات، وحتى بعد أن تصل عليّ أن أكرره كي تستمر بالقدوم إلى هنا، ربما بعد فترة من الزمن سنقوم باستئجار غرفة بشكلٍ شهري، كي لا نظل ملزمين بهاتين الساعتين السخيفتين، ولا نقوم بهدر نقودنا – نقودها عملياً – كل مرة تتأخر فيها، وهي قد تملكتها عادة التأخير، حتى أنها في أحد الأيام اضطرت أن تلغي سفرها لأنها تأخرت على موعد الباص، ولم تقلع عن هذه العادة السيئة رغم ذلك.
ربما تظن أنها تزيد من رغبتي بها بتأخرها هذا ولكنها مخطئة، فأنا بتُ أمارس آلية دفاعية ضد تأخرها، كل مرة تتأخر فيها أدخل بملء إرادتي بحالة من اللاشعور كي لا أنزعج منها، ألهي نفسي ببعض الموسيقا والسجائر ريثما تأتي، وحين تجدني غير منزعجٍ من تأخرها تظن أن ذلك سببه فرط حبي لها، ولكن سببه الحقيقي هو فرط انعدام مشاعري تجاه أي شيء، قد تغضب إن علمت أنني أفعل ذلك، ولكن بكل الأحوال هي على الأغلب لن تفهم ذلك حين أشرحه لها، ستقول لي كما تقول دائماً “أي شيءٍ يجعلك تشعر بتحسن، حبيبي..”
لقد أخبرتني صديقتي منذ فترة أن الحمل ليس أمراً سهلاً، وأن الأيام التي بإمكانه الرجل أن يتسبب فيها للمرأة بالحمل هي عدة أيام قليلة تقع في منتصف الفترة بين الدورة الشهرية والأخرى، لقد جلبت واقياً ذكرياً، ولكن أرجو ألا تكون في واحدة من تلك الأيام، فهذه المرة الأولى لي، ولا أريد أن يكون هناك أي منتجاتٌ صناعية فيها، ربما كان علي أن أسألها، ولكن ذلك سيكون وقحاً ربما، فنحن أصلاً لم نتفق على أن نتضاجع، إنما ادعينا كلانا – ونحن على يقينٍ تامٍ بأنها كذبة – أننا نريد مكاناً بعيداً عن أعين الناس نكون فيه مرتاحين ولا نضطر للتلفت حولنا كل مرة نقبل بعضنا أو نتعانق.
بدأت تدور في بالي فكرة سيئة، فكرة مزعجة جداً، ربما هي تظن حقاً أننا لن نمارس الجنس، وأن يكون اليوم هو يوم دورتها الشهرية، وحينها لن نتمكن من أن نقوم بأي شيءٍ سوى بعض المداعبة، وسيكون علي أن أبعد عضوي وحتى يدي عن فرجها، فقد أخبرتني صديقتي – نفس الصديقة التي أخبرتني متى يحصل الحمل – أن ذلك غير ممكنٍ أثناء الدورة الشهرية، كم سيكون مزعجاً الأمر لو كان على هذه الشاكلة.
إن الملل يتفاقم وأنا بانتظارها، الأغاني التي أسمعها قد سمعتها قبلاً مئات المرات، والسيجارة التي أدخنها قد دخنتُ مثلها عشرات آلاف المرات، لا بد من طريقة للقضاء على هذا الملل الذي يتفاقم ويستبد بكل التفاصيل، عادت لتراودني فكرة الحديث الذي سيدور بعد أن نتشارك السرير، لا أريد أن أقول لها ذلك الكلام المعسول نفسه من جديد، وإذا لم أقله سوف تحزن أو تغضب مني، وسيكون علي فيما بعد أن أقول نفس الكلام الذي أقوله عادة كي أسترضيها أو كي لا تنتهي قصتنا نهاية مأساوية، وحتى لو تركتُ الأمر يمر دون أن أوليه اهتمام سأمر بنفس المشاعر التي أمر بها عندما تنتهي قصص الحب، سيكون الأمر مملاً ايضاً.
لا بد لي من أن أجد حلاً، يجب أن ابتكر نهاية فريدة، متميزة عن كل نهايات قصص الحب التي مررت بها قبلاً، يجب أن يكون أمراً يحصل للمرة الأولى، لم يحصل قبلاً، ولن يحصل من جديد..
سأقتلها، نعم بالضبط! عليها أن تموت بعد أن ننتهي من ممارسة ذلك الفعل الممل، ليس مملاً بالنسبة لي فانا أجربه للمرة الأولى، ولأني أجربه للمرة الأولى لا يجب أن تليه أي أمورٍ مملة، سيكون عليَ أن أقتلها، سأفكر حينها أنني مارست الجنس للمرة الاولى، وقتلتُ إنساناً للمرة الأولى، ولن أضطر لرؤيتها أو التلكم معها من جديد، لا تنظروا إليّ كشخصٍ يحتقر النساء، لستُ كذلك، أنا بالفعل أحبها، وحتى إنني لم أحب امرأة من قبل كما أحبها، ولكي أحافظ على مكانتها في قلبي وتكون المرأة الأهم في حياتي على الإطلاق يجب أن تكون نهايتي معها مميزة عن نهاياتي مع النساء الأخريات، كلهن يبقين أحياء بعد أن نفترق، ويقول لهن أصدقاؤهن “لا تفكري بهِ… فالحياة تستمر به أو بدونه”، لن يتمكنوا أن يقولوا لها شيئاً وهذه الجملة بالتحديد.
بماذا سأقتلها؟ لا أملك مسدساً، ولم أتمكن يوماً من أن أمسك سلاحاً نارياً، حتى الآن هذه الأسلحة تخيفني، بساطة القتل بها مرعبة، اِضغط الزناد، انتهى الأمر، لا يكون عليكَ أن تشعر بتمزق لحم الضحية بين يديك، لا تستطيع أن تملك مشاعراً أو وقتاً قد يدفعانكَ للتراجع عن الجريمة، تذكرتُ أن صاحبة المنزل قد أخبرتني بأن هناك مطبخ في حال أردتُ أن أشرب ماءً أو أن أحضر شيئاً لنشربه، ولكن عليَ أن أحضر ما أريد تحضيره معي وأن أقوم بتنظيف ما ألوثه من أدوات المطبخ قبل ذهابي، نزعتُ السماعات من أذني وأطفأتُ السيجارة على عجل وخرجتُ كي أرى المطبخ.
كان فيه عدة أدواتٍ بسيطة، بعض الملاعق الكبيرة والصغيرة والشوك والسكاكين التافهة التي تستخدم في الأكل والتي تعجز عن تقطيع أي شيءٍ سوى اللحم المطبوخ والفواكه الناضجة، بحثت في الأدوات التي لم تنظف، هناك بعض المستأجرين الذين لم يلتزموا بتعليمات صاحبة المنزل وتركوا أدواتهم دون تنظيف، بحثتُ بينها فوجدتُ سكيناً كبيراً نوعاً ما، مقبضه أسود، ومتوسط العرض، بدا مناسباً لي كي أقتل به امرأة، رأسه مدبب بما فيه الكفاية كي ينغرز بسرعة في اللحم البشري دون ألم، فأنا لا أريد لحبيبتي أن تتألم، أخرجته من الحوض وقمتُ بتنظيفه، وعدتُ به إلى الغرفة، جففته بوشاحي الذي كان مرمياً على السرير، كان في الغرفة خزانة أدوية، فتحتها لم أجد شيئاً مثيراً للاهتمام، عدا قنينة كحول طبي، كنتُ أستخدم الكحول الطبي في تعقيم الشفرة التي أحلق بها ذقني حتى لو كانت جديدة، وتعقيم النظارة قبل أن أدعها تلمس أنفي ورموشي، أخرجتها وقمتُ بتعقيم السكين، لم أرد أن تدخل الجراثيم إلى جسدها، فحتى لو كانت ستموت لا أريد لتلك المخلوقات الصغيرة المؤذية القذرة أن تلوث جسدها الرائع الجمال.
وضعتُ السكين على السرير تحت الفراش، فأنا لا أريد أن أنهض عن السرير بعد أن ننتهي، سيكون عليّ أن أقتلها قبل أن تجد وقتاً للكلام، ومن ثم أدخن سيجارة، إذ قد أخبروني أن التدخين ممتعٌ للغاية بعد ممارسة الجنس.. كل ما بقي لي أن أحرص على الوجود على الطرف الأيمن من السرير كي يكون استلال السكين سهل.
كل شيءٍ مجهز لأول وأروع مضاجعة في حياتي، أعدتُ السماعات إلى أذنيَ، أشعلتُ سيجارة جديدة، وتابعتُ الانتظار.