من الجمل الاعتيادية عند الحديث عن احترام المرأة هو أن تقول المرأة “لا تعاملني كجسد..”، موافق، لن أعامل النساء كجسد، ولكن أنتِ، ما من مفرٍ من معاملتكِ كجسد، ما من مفرٍ عند الوقوف أمام تلك التفاصيل التي تتصارع ضمن مجال نظري كي تسرق كل ذرة متبقية من إدراكي نحوها، ما من مفرٍ أمام التغير الدائم الذي يطرأ كل ثانية على جسدكِ، ويبقى يحمل نفس الشكل ونفس اللون ونفس الرائحة، بالضبط كالماء، لا نعرف ما شكله، ولكن نحب أن نشاهده دائماً.
أنتِ بالنسبة لي تحفة؛ تحفةٌ من نوعٍ مختلف، ليست ذاك النوع من التحف التي يقوم البشر بصناعتها، ليست ذلك النوع الذي يسهل تقليده واستنساخه، أو الذي يكون لدى بعض الفنانين الجرأة كي يحاولوا التفوق عليه، تحفةٌ من النوع الذي تصنعه الآلهة، تفرض تفوقها، لا يفكر أي إله آخر سوى الذي كونك بصنع ما هو أجمل، الأمر واضحٌ، جليٌ، من السهولة ملاحظته، جمالك من النوع الذي يُنظر إليه، ومن يراه – إنساناً كان أم إلهاً – يقول: لا! لا يمكنني أن أصنع أجمل، أصلاً لا يوجد أجمل.
لون بشرتكِ حتى الآن لم أفهمه، لم أفهم تلك الطريقة الغريبة التي يتنقل فيها بكل سهولة بين الأبيض والحنطي والأسمر والبرونزي في أقل من دقيقة، لم أفهم كيف بإمكان بشرة على جسد إنسان أن تكون بهذا الكمال، كيف تنعدم العيوب نهائياً عن بشرتكِ؟ هل تغيرين جلدكِ كل يوم؟ هل يأتيكِ أفضل رسامي العالم ويعيد رسمها كل مرة تستيقظين فيها؟ هل تسكبين من مياهٍ حصلتِ عليها من السماء على نفسكِ كل ساعة؟ هناك أمرٌ ليس طبيعي، هناك أمرٌ لا يمكن تصديقه، هذه ليست بشرة إنسان، لو كانت بشرة إنسان لكنت رأيتُ مثيلاً لها يوماً ما، لقد مرت سنوات كثيرة وما زلتُ لم أرَ مثيلاً لها.
جسدكِ غريب، رُسِمَ بطريقة غريبة، يبدو وكأن لا خطوط تحده، وكأنه متماهٍ حتى مع ذرات الغبار المحيطة به، لا تظهر بدايته ولا تظهر نهايته، ورغم ذلك يبدو غريباً، يبدو متطفلاً على هذا العالم، ألوانه ليست من الألوان التي اعتدنا رؤيتها في عالمنا الرخيص، خطوطه غريبة، خطوط لا حدود لها، ما من ذرة أكثر من اللازم موجودة فيه، وما من ذرة أقل من اللازم، على قدر الكفاية، لا زيادة ولا نقصان، لا شيءَ موجودٌ لا لزوم له، ولا شيء هناك لزومٌ له ليس موجود.
تأتيني ملامحٌ من خلف القماش، رتوشٌ صغيرة كعود ثقاب، كل ما تفعله هو أن تشعل النار في داخلي، خطٌ لا يزيد طوله عن عرض إصبع يكفي كي يشعل جسداً بأكمله، كي يلهب عقلاً بمعظمه، وألاحظ فجأة شيئاً غريباً وأنا أراقب هذا الخط، أنتِ تتنفسين!! لم أصدق لوهلة، أو ربما نسيت، أن تلك هي إنسان، الجالسة أمامي مثلي، لها رئتان مثلي، تتنفس مثلي، ومن الممكن جداً أن يكون هناك دمٌ يسري في عروقها مثلي.
لا تقلقي، لن أقع في حبكِ، الحب يتطلب أن تلتقي روحان، أن يلتقي جسدان، أن يلتقي شخصان، ولكن في هذه الحالة ما حصل هو أن روحي التقت بجسدكِ، هو إذا لقاءٌ بين روحٍ وجسد، جسدٌ وصل من الجمال ما يكفي كي يصير روحاً، تابعي حديثك، تابعي ما تقولين، أنا أستمع، وجزءٌ في داخلي يسجل، كل صورة، كل تفصيل يمر أمامي، كل شهيق وكل زفير يتم تسجيله بدقة، وإحصاء ذرات الأوكسجين فيه بدقة لا متناهية، وفي المساء حين ترحلين سأبقى وحيداً أتذكر تلك التفاصيل التي خزنتها، وأبقى سعيداً حتى الصباح لأنني من القلائل الذين عرفوا كيف هو الجمال، الذين عرفوا كيف تكون كلمة جميلة قد اختلقت كي تصف جسداً واحداً فقط، هو جسدكِ، هو من قصدته النبوءة حين كتبت كلمة “جمال” للمرة الأولى.
سامحيني صديقتي إن كنتُ قد خنتُ الصداقة، ولكن جسدك أجمل من ألا أتخيله في عزلتي كل يوم.