كتاب اختلال العالم هو عبارة عن مجموعة من المقالات التي يمكن تصنيفها على أنها سياسية، تناقش قضية جوهرية وهي الصراع الخفي والظاهر أحياناً المتنامي بين أطراف عالمية تأخذ أشكالاً مختلفة في الكثير من الأوقات، تتلخص المشكلة الأساسية التي يناقشها أمين معلوف في كون القوى الاقتصادية في العالم باتت غير متوازنة بشكلٍ متزايد، وكيف أن الكثير من القوى العظمى تقع بين خيارين أحدهما هو تخليها عن مبادئ الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان التي بنت تبشيرها الأيديولوجي من ناحية ومصالحها التي تتطلب منها اختراق هذه المبادئ من ناحية أخرى.
هذا الكتاب يعتبر استكمالاً للكتاب الرائع الذي سبقه بعنوان “الهويات القاتلة”، والذي فكرته – نفسها موجودة إلى حدٍ ما في اختلال العالم – أن الصراع الأيديولوجي الذي كان قائماً بين الاتحاد السوفييتي ومن خلفه الدول الاشتراكية والولايات المتحدة ومن خلفها الدول الرأسمالية انتهى، وبانتهاء ما عرف لوقتٍ طويل بالحرب الباردة لم يعد واضحاً على أي أساس ستقوم التحالفات الجديدة وعلى أي أساس ستقدم الحكومات لشعوبها أعداء الأمة، ليحل الصراع الهووي (المبني على الهوية) محل الصراع الأيديولوجي، كتاب الهويات القاتلة بات اليوم ضمن المناهج المقررة في الكثير من الجامعات الفرنسية، وينصح بقراءته بشدة قبل قراءة كتاب اختلال العالم.
في اختلال العالم يناقش أمين معلوف مثالاً تاريخياً هاماً في تاريخ الأمة العربية، وهو تجربة جمال عبد الناصر الرئيس المصري السابق، ومن ضمن ذلك كيفية نجاحه في النجاة من العدوان الثلاثي الذي تعرضت له مصر بعد تأميم قناة السويس، كما يسلط الضوء على قضية هامة فاجأني بصراحة تركيزه عليها؛ الاحتباس الحراري ويوضح كيف أن الاختلال الحاصل في موازين القوى – اقتصادياً على وجه الخصوص – يقف عائقاً أمام تحرك الأمم في وجه هذه الكارثة الطبيعية البطيئة النمو، والتي كان يفترض بها أن تشكل عدواً مشتركاً يؤدي لتوحد البشرية.
الكتاب ككل كتب أمين معلوف غير الأدبية، يساعد كثيراً على فهم الألعاب السياسية ويشرح الكثير من القضايا الهامة بلغة بسيطة نسبياً، كما أن من الأمور اللطيفة في هذا الكتاب – المكتوب باللغة الفرنسية – أن الكاتب بحكم أصوله العربية (لبنان) يركز على الكثير من القضايا الهامة بالنسبة لنا كعرب والتي لا تحظى بنفس التركيز من قبل كتاب سياسيين آخرين غربيين، أنصح الجميع بقراءته كونه يقدم صورة أوضح للصراع العالمي الجديد الذي بشكلٍ أو بآخر بات يؤثر كثيراً على منطقتنا في الآونة الأخيرة، ويتخذ من بلدنا العزيز سوريا ساحة لمعاركه كثيراً في السنة الأخيرة، ولكن كما ذكرت سابقاً من المفيد للحصول على رؤية واضحة لوجهة نظر معلوف وفهم تحليله والفكرة الجوهرية التي يبني هذا الكتاب عليها، من المفيد قراءة كتابه الذي سبق هذا الكتاب بعنوان “الهويات القاتلة”، الكتاب متوفر في معظم المكتبات في سوريا ولبنان، لا أعلم بالنسبة لباقي الدول العربية إن كان قد منع في أي منها.