أبحث عنها كل يوم، أكتب تلك الحروف القليلة فيتممها لي الجهاز الذكي، ويظهر لي صورتها، ليس لي سوى التفرج على صورتها دون أن أتمكن من أي شيء، لا أن أضيفها كصديقة لي، ولا أن أرسل لها رسالة ولا أن أفعل أي شيء، لا شيءَ لأفعله، صورتها تتغير كل عدة أسابيع، لأعلم أنها بالفعل تستعمل موقع التواصل الاجتماعي الأزرق، ولكن لا يمكنني الاقتراب منها، أبقى صامتاً أمام حضرة وجهها المنير، وأحاول أن أخادع نفسي وأقول أنها ما زالت كما هي، لا شيء من تفاصيل وجهها تغير، ولا شيء في داخلها تغير حتى.
ثمان سنواتٍ مرت وأنا مازلت بانتظارها، مرت مئة قبلة أولى ومئة أولى أخرى، ولكنها لم تكن هنا، أحببتُ وأُحبِبْت ومازالت بعيدة عن حياتي، تعذبني ذكرى تلك الساعتين، ساعتين بعد منتصف الليل لأتأكد أنها أميرة بحق، ليست خادمة ترتدي لباس أميراتٍ يعود لأسمالٍ بالية بعد منتصف الليل.
ثمان سنواتٍ ومازال اسمها يراودني كل يوم، في كل النساء أراها، في كل الوجوه في كل الشفاه في كل الأسماء، كل عيدٍ آمل أن تزور بلدي، أن تزور مدينتي، أن تزور عالمي، ولكني وحيد أنتظرها، الجميع، كل الذين كانوا شهوداً على حضورها وتجليها لا يذكرون عنها شيئاً، لا يعلمون من تكون، ولا يرون آثار قدميها بين شرقي التجارة والقصاع التي أراها كل ما مررتُ من هناك، لا يسمعون صدى صوتها ما زال يتردد في كورنيش التجارة، ربما يكونون محقين فما من أذنٍ إنسانية تستطيع أن تسمع صدى لصوتٍ عمره ثمان سنواتٍ.
يمر تلميح صغير جداً أنها ربما خارج عالمنا العربي، أنها في أوربا الشرقية، وتعود الهواجس لتراودني، وأرى أن عودتها إلى مدينتي ولو لزيارة أمرٌ مستحيل، أمر لن يحصل أبداً، لماذا سافرت هناك؟ هل هي تدرس هناك؟ هل هي متزوجة؟ يتوقف الزمن للحظة ويتكرر صدى السؤال الأخير في رأسي؛ “هل هي متزوجة؟ متزوجة.. متزوجة.. متزوجة…”
تباً…!!! لا لا ليس تباً، فأنا أساساً لستُ طموحاً بقصة حبٍ إلكترونية، ولا قصة حبٍ افتراضية عن بعد، جربتُ الأمر قبلاً ولم يناسبني، كل ما أريده هو أن ألمحها أن أصافحها، دون قبَلٍ دون عناق دون أي شيءٍ، كل ما أريده هو أن أعلم أنها حقيقة، أن ذكرى الأنثى الألطف في حياتي ليست وهماً، ليست كذبة من كذباتي التي أصدقها، ليست وهماً….
تزوجي كما شئتِ، وادرسي في الخارج كما شئتِ وغيري صورتك كل يوم كل ساعة كل دقيقة، لا أهتم، اِبقي في الغياب كمطرٍ ننتظره في الصحراء ولا نراه كما شئتِ، ولكن ظلي موجودة في عقلي، اِبقي اسماً يتأرجح بين يديَ، بين أصابعي على لوحة مفاتيح صماء لا تفهم ما أريد، سأبقى كل يومٍ أفتح صورتكِ وأتأملها كل ما شئتُ أن أرتاح من عملي قليلاً، ستظلين استراحتي إلى أن أراكِ، وربما حتى بعد أن أراكِ، قد ألتقي بكِ يوماً ما، وأتظاهر بأنني لم أكن بانتظارك، أذكرك بعبارات مؤدبة بأننا التقينا قبلاً، وأنني تذكرتكِ فقط حين سمعتُ اسمكِ، ولكن بعد ذلك سأعود إلى غرفتي، سأشغل الأغاني بأعلى صوتٍ، وأتصل بمئات الأصدقاء صارخاً مثل أرخميدس “وجدتها.. وجدتها”.
ستبقى تنتظر .. إلى أن تتعثر بقدرك ..
ثم ستضحك جداً .. أو تنزف جداً ..
” فحينما تلامس أجسادنا السراب يجف فجأة “