لا تكترث بالضجيج، هي الموسيقا من جديد، أو ما تبقى من وطنكَ يحاول الهروب، لا تقلق، ليست تلك الطبول سوى طبول الأغنية، طبول الحرب لا تقرع أثناء الحرب، قارع طبول الحرب سافر، قالوا أنه بات الآن في أحد دول الجوار، يعمل قارعاً للطبلة في أيام الصيام، وما تبقى من السنة لا يجد فيه عملاً، هناك الكثير من قارعي طبول الحرب حيث يعيش، قالوا له أن أكثر من نصف الشعب مستعدٌ لقرع تلك الطبول إن استدعت الضرورة، فقد شعوره بالتميز، لا تقلق، لا يمكن أن لقارع طبولٍ مصابٍ بالاكتئاب أن يقرع ما يكفي من الطبول ليزعج سهرتكَ.
لقد فقدتَ قدرتكَ على المقاومة، فقدت المناعة في داخلكَ، لم تصب بالزكام، ذلك أمرٌ جيدٌ، ولكنك ستصاب قريباً بكل الأمراض التي كنتَ تخافها، ستواجهك كل أشباحكَ القديمة، البعبع الذي اختبأت منه مطولاً تحت غطاء سريرك سيظهر من جديد، سيتسلل إلى تحت الغطاء، لا تكترث، لا شيءَ يمكنكَ فعله، لقد فقدتَ قدرتكَ على المقاومة، تفرج على سحب الدخان المحيطة بجبينكَ، تأمل أجزاءها بحذر، أطفئ الموسيقا، وانتظر ما ستقوله أصوات الدخان الصغيرة في رأسكَ، قم بما تقول لكَ أن تفعله، ارقص عارياً في الشارع، قبل بنت الجيران مطولاً على مرأىً من المختار، تبول على جدران السجون مطولاً، جنونكَ الآن بات ممكناً، لقد بات لديكَ الأصوات الصغيرة التي تخبركَ، وفقدتَ القدرة على المقاومة .
لا تكترث بالضجيج، هو فقط جاركَ يفقد طفليه، لا شيءَ يستحق الظهور منفرداً في نشرة الأخبار التالية، تابع الكتابة، تابع محاولتكَ اليائسة لوصف ما يحصل داخلكَ، لا يمكنكَ، تعلم أنكَ عاجز، ولكنك تستمر بالمحاولة، ثقبٌ صغير تصارع لإقحام البشرية داخله، وتصرخ بهم “تفرجوا… تفرجوا”، لا تدركَ أن حشرهم في ثقب يضعف النظر، كي ترى أنتَ بحاجة لمساحة خالية من البشر، لا يمكن البصر بوجود الكثير منهم.
اخرج، واجه الضوء في آخر النفق، مذ وصلتَ إلى هذه البقعة من النفق وأنتَ بالكاد تكون صاحياً بما يكفي للسير نحو الضوء في آخره، لا تخف من أولئكَ الذي يملؤون الضوء في الخارج، لن يكترثوا بوجودكَ، لم يكترثوا بوجودِ أحدٍ من الخارجين من النفق يوماً، كل ما يهمهم هو ألا تقاطع رياضتهم الصباحية، أو عملهم، أو وجباتِ طعامهم أو أوقاتهم العائلية، أو حتى نومهم أو تسليتهم أو ساعاتِ وحدتهم، اخرج لا تخف، انظر إلى الضوء مطولاً حتى تعتاده، قد تفقد بصركَ في دقائقك الأولى في الضوء، لا يمكن التنبؤ بحدوث ذلك، تأمل أن تكون فرصك أفضل من غيركَ، ولكن تحسباً دعني أخبركَ من الآن أن كل ما يمكنك رؤيته هناك ليس مثيراً للاهتمام، لن تفوت الكثير إن فقدتَ بصرك.
عد إلى زاويتكَ، تابع التدخين والنظر إلينا بخوف، لا تحاول أن تتذكر من أنتَ، وكيف صرتَ هنا، لا يمكنك أن تتذكر شيئاً الآن، كل ما يمكنكَ أن تفعله هو أن تغمض عينيكَ مراهناً على أحلامٍ أقل إثارة للخوف مننا، استرخِ، دع النوم يتسرب إليكَ شيئاً فشيئاً، غداً لن تتذكر شيئاً مما حصل اليوم، كل ما ستتذكره هو ليلة مميزة، مختلفة، أقل ألماً، استرخِ، وإن رأيتَ الضوء في آخر النفق إياكَ أن تتجه نحوه، إنها الفردوس.