لقد بدأ الارتجاف، ما زلتُ أوضب بقايا الأمس عن الطاولة وأمسح بقايا التبغ المتناثر في كل مكان، وأحاول عبثاً أن أتهرب من نظركِ الذي يتابع تفاصيلي، أخرج من الجدران لوهلة، وأتركك وحيدة لا تفهمين سبب ضيق تنفسكِ، تحاولين أن تجدي بقعة في هذه الحجرة الضيقة يريحكِ الجلوس عليها، ولا تجدين، يبدو كل شيءٍ غريباً عليكِ، منفراً، حتى ملابسي التي تفوح منها رائحة سجائري لا تغريكِ بالجلوس عليها.
كل ما تحتاجينه هو هذه اللمسة من أصابعي لأصابعكِ، وفي لحظةٍ من الرضا تفكرين بأنكِ اكتفيتِ، ولكن الأمر ليس كذلك، زمن الاكتفاء بالأصابع انتهى، وليس لكِ الآن سوى السعي نحو المزيد، أو الموت شوقاً إلى المزيد، عادت لتراودك الذكرى القديمة حين استنشقتِ البعض من رائحة تعرقي، وحين نزلت الخصلة الأولى من شعري لتلامس وجهكِ في طريقها قبل أن تستقر على جانب وجهي الأيمن، أرفع يدي الأخرى لأزيل الخصلة عن وجهي، منتهكاً حرمة الهدوء والحذر الذي ساد حتى الآن، منتهكاً عهداً تفوح له رائحة في الغرفة بأن المزيد من الانتظار على وشك القدوم، تتابعين يدي التي كانت في جيبي وهي تفارق وجهي، تتبعينها بنظركِ كقطٍ فقد الأمل من كرم زبائن الجزار، تنتظرين وصولها إلى ما دون خاصرتي، تمسكين بها وكأنكِ تخافين أن يسرقها الجيب من جديد.
أنفي يلامس بشرة وجهكِ، تشعرين بحديثٍ ودّيّ يبدأ بين خلايا وجهينا، ولا تفهمين سبب اعتكاف الشفاه عن المشاركة، تحاولين التحكم باتجاه الاحتكاك، تحاولين إقحام الشفاه في المحادثة، ولكنكِ تكتشفين أن الموضوع خارج إرادتكِ، وربما – لستِ متأكدة بعد – خارج إرادتي أيضاً، تسمعين صوت تنفسي من أنفي، تعرفين أنني أبذل جهداً مضاعفاً كي أتمكن من تخزين رائحتكِ في ذاكرتي، تعرفين كم عبث الدخان بحاسة الشم لدي، لذلك أكثرتِ من العطر على عنقكِ، بدأتِ تفقدين السيطرة، ولكنك تعرفين أنكِ أنكِ لستِ صاحبة القرار في أي مما يحصل، تفلتين يديَ وتحيطين خاصرتي بكلتا يديكِ، تحاولين أن تبقي واقفة على قدميكِ، ركبتاكِ بدأتا بالارتجاف، وعدتِ نفسكِ ألا تنهاري هذه المرة بالذات، لكن الأمرَ يبدو مستحيلاً، كل خلية مكشوفة من جسدكِ تحولت إلى نسخة من تلك المساحة الصغيرة التي تشعل نيرانكَ عادة، لا بد أن تمسكي بجسدي الكثيف كي لا تقعي أرضاً، في حين تلهيكِ يدي التي تعبثُ بخفةٍ بذراعكِ عن ملمس عظام أنفي على المساحة المخفية خلف أذنيكِ، تلامس شفاهي أخيراً عنقكِ، وتكادين تقعين أرضاً، ولكني أمسك بكِ، ويصبح الأمر أكثر صعوبة مع تضاعف التلاصق بين جسدينا، أقوم باستنشاق وجنتكِ، وريثما تحاولين فهم الرائحة التي أبحث عنها هناك تنتفض أظافركِ وتنغرز عميقاً في ظهري بعد قبلة خجولة على زاوية شفتيكِ.
رأس أنفي يلامس رأس أنفكِ، تتمنين لو كانا دائماً على هذا الحال ليكون أنفكِ دليلاً لأنفي الأعمى، أظافركِ لا زالت تحاول الولوج عميقاً في عظام ظهري، يدي اليسرى تمر بهدوءٍ على الخط العامودي الفاصل بين أمامكِ وخلفكِ، ترتجفين، رغم حرارتكِ التي ارتفعت إلى حدٍ لا يطاق، تشعرين ببرودٍ مجهول المصدر، لا يمر بمراحله الطبيعية، ارتجافٌ مباشرة، ذاك الهدوء تحول فجأة إلى ضجيج، تحتارين في السبب إن كان صوت الموسيقا الذي ارتفع فجأة، أم شفاهي التي لا تذكرين متى بدأت بالضغط على شفتيكِ، تشعرين ببقايا صلبة لجروحٍ على شفتي السفلى، تمررين لسانكِ عليها لتصبح أكثر ليونة، بتِ أكثر جرأة، كفكِ يحيط الآن بما استطاع إليه سبيلاً من عنقي، تتمنين لو كان لكِ ثلاثة أفواهٍ، لكن عليكِ أن تتأقلمي مع الوضع الراهن، تستفزكِ حركة أصابعي حول كتفكِ مع الموسيقا، لا تكتثرين، جنوني الموسيقي استعصى عليكِ قبلاً.
فجأة، كمن كان تحت الماء ونهض في أقل من ثانية، تكف أجسادنا عن التلامس، حين تتمكنين من فتح عينيكِ ترين بقايا لقاءٍ بين يدي وقفل الباب، ولقاءٌ آخر مع حاسوبي جعل الموسيقا تصبح أكثر علواً، عدتُ إليكِ، لا أحتاج لدفعكِ، لمسةٌ واحدة على عظام صدركِ كافيةٌ لترتمي على الفراش الذي خلفكِ، تشعرين بالأمان بعد أن فككتُ الزر الأول من قميصكِ، فقد “تمت المهمة، أو بكلماتٍ أخرى: الآن بدأ كل شيء”.