رصاصة وحليب

Bullet (2)

أنتَ فاقدٌ للوعي، لا تكترث بكونك ما زلتَ قادراً على النظر والسمع، الوعي هو أمرٌ أعمق من الحواس يا صديقي، تتحسس يديكَ، تشعر بخشونة الحبل الذي يقيدهما، تحاول أن تنقذ اليد اليمنى، تلك هي القادرة على الكتابة، فلتذهب اليسرى إلى الجحيم، تلك التي تستمني بها، دائماً كنتَ أنانياً في الكتابة على حساب الجنس، تحاول أن تستغل الخيط الدقيق من الضوء الذي يمر من تحت مجال بصركَ، تحاول أن ترى المكان من حولكَ ولكن الأمر مستحيل، المساحة الصغيرة من الضوء ضئيلة، وتقع على أطراف بصركَ البعيدة، تلك التي لم تعتد أن تكترث بما تحويه.

أرفع أقدامي فوق رأسكَ يا صديقي، وأنتَ لا زلتَ غير قادرٍ – لشدة تخدر جسدكَ – أن تدركَ أنكَ مستلقٍ والكرسي سوياً، لا أدري من أين علي أن أبدأ برواية قصتنا، لا تخف! لن اطيل عليكَ، سأقتلكَ وبعدها سأروي الحكاية، الأمر أسهل بهذه الطريقة، لن أكون مضطراً لانتظار ردود فعلك على كل جزءٍ من القصة.

كلاكما تعلمان أنكما عشقتما أجساد بعضكما، ومن ثم أفسدتما المرة الأولى بتهورٍ يقوده يأسٌ ممطر، منذ بداية الحكاية كان مقدراً لكما أن يموت أحدكما قبل الآخر، والثاني موتاً عليه أن ينتحر فور موت الأول، من أين خرجتم بهذه القاعدة المجنونة؟ بكل بساطة على أحدكما الانتحار، تعلمان أن أياً منكما لن يتمكن من التهرب من هذا الشرط، فصار كل منكما يطمع بدور الميت الأول، ذاك ليس عليه أن يشهد موت من يحب، لقد حللتُ المشكلة؛ لا أحد منكما عليه الانتظار أو الانتحار، سأقتلكما سوياً في نفس النهار، وسأحرم أحدكما ميزة لعب دور الضحية وتحمل موت الآخر، لن تعلما بموت بعضكما البعض، ها أنا أكلمكَ، ولم أخبركَ إن كانت الآن ميتة أم لا، ولن أخبرك، هي ميتة ربما، وربما حية بانتظار أن أنهي مهمتي هنا لأنهي حياتها.

بدأتَ تشعر بألم في معدتكَ؟ أقدر موقفكَ، فقد ناولتكَ دواءً مسهلاً، لستَ خائفاً من هربك وأريد إرباك حركتكَ، ولكنني آمل أن تحصل بعض الأحداث المضحكة أثناء مرور الرصاصة في مسافة الرعب بين المخزن والرأس، قد لا أكون هنا، ليس مهماً، الأمور المضحكة ليست كسقوط الأشجار، ليس على أحدٍ يكون موجوداً كي تكون مضحكة.

لا تعرف ما ذنبكَ؟ هل تعتقد أنني مجرد مهووسٍ يجد ترفيهاً في قتل الآخرين؟ لستُ كذلك، أنتَ تعرفني جيداً وتعرف أني لستُ كذلك، صحيح أن بعض الأمور الغريبة أصر على فعلها، ولكن هوسي لن يصل حد القتل، لكَ ذنبٌ يا صديقي، عليكَ أن تموت، لن تتذكر بالطبع، في ذلك النهار كان عليكَ أن تتذكر أمراً واحداً، ولم تفعل، اِدفع ثمن خطيئتكَ من دماء عقلك، عاقبه على نسيان الأمر الوحيد الذي كان عليه أن يتذكره، حتى الآن رغم أنك واثقٌ من موتك فإنك تتوق لمعرفة ما الذنب الذي اقترفت ولكن لن أمنحكَ ميزة الندم، كل ما سأمنحكَ إياه هو وعدٌ بموت زوجتكَ فور موتكَ، لن أتيح لكما فرصة الشعور بالألم، لن أسمح لكما بالتألم، ذلك سيقلل من حصتي، دونها لا أملك أن ألعب دور الضحية.

ضغطة على الزناد، ومضة بالكاد تلامس الذاكرة، الجسد الملقى مع كرسيه على الأرض خمد، الارتجاف توقف، وتوقف الصوت المزعج الصادر عن ارتطام الكرسي بالأرض أثناء الارتجاف، جلستُ أمام جسده الميت، خلعتُ قبعتي، اقتربتُ من وجهه، حتى تسربت إليّ بقايا رائحة التعرق الذي بدأ يبرد الآن…
“لم تعرف صوتي؟ هل كنتُ ماهرة بتغييره لهذا الحد حقاً؟”

كنتُ أود لو أصرخ به، أقول له “اِنهض يا بيضة النعام، ألم تعرف صوتي؟ وتقول أنكَ تحبني؟”، ولكني كنتُ أجبن من الغيرة على رجلٍ ميتٍ، خصوصاً أنني من قتله.

“سامحني، لم أجد مخرجاً آخراً أريحك فيه من الانتحار الذي كنتَ تنوي عليه لا محالة، ومن ألم الحزن على موتي منتحرةً بعد موتك، كان عليّ أن أفعل ذلك، لقد ابتلعتُ الحبوب التي ستقضي عليّ في دقائق قليلة قبل أن أقتلك، أردتُ أن أمنع نفسي من الضعف واختيار الحياة من بعدك، كنتُ سأغني لكَ الأغنية التي أدعوكَ فيها “بطلي الخارق” ولكن أخاف ألا أملك الوقتَ الكافي لها، أنتَ رجلي الخارق، سأبدأ بالغناء، كيف كانت بداية الكلمات؟ لستُ أذكر، حتى  أعتقد أنني لم أدعك الرجل الخارق من قبل… قف هنا! عُد إلى البداية”

دماغي بات عاجزاً عن العمل ككلٍ متكامل، حاولتُ أن أتجاهل النكزات اللطيفة التي أشعر بها في رأسي، أحاول أن أبقى واقفةً، ولكن لا أمل، لا قدرة لي على موازنة جسمٍ على قدرٍ من التعقيد كجسد الإنسان، لا أعرف الثقل أين ولا الخفة أين، “تباً، كيف لم يخطر لي أن..”.

أوقفي القصة هنا، لا داعيَ لذكر الجزء التالي.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها