اِفقد الاتجاهات، آن الأوان لتضيع في خيارات الغد، أن تفكر ملياً بكل حركة وكأنها ستملك أثر الفراشة، عليك المسير حيث لم يسر من قبلك، عليك البحث حيث لم تر عين من قبلك، عليك أن تكون أي شيءٍ، أن تكون مجرد سراب، أن تكون مجرد فكرة عن كيف يكون الإنسان مختلفاً عمن قبله.
عليك السير، افقد اتجاهاتك، لا فوق ولا تحت، قرب وبعد، مجرد افتراضٍ أبله أن الكون ليس مقلوباً رأساً على عقب، افتراضٌ أبله أن على رائد الفضاء الوقوف ورأسه إلى جهة الشمال حين يتفرج على الأرض، والكون المحيط بها، الكون الذي يتوافق أعلاه وأسفله مع أعلى وأسفل الأرض.
تلك ليست من شعرها، شعركَ أيضاً بات طويلاً، وعليكَ أن تجد طريقة ابتداءً من اليوم لتميز شعرك عن شعر الآخريات، هو شعرك، يخرج من بين الثقوب القديمة في رأسك، مهما استطال ملتصقٌ بكَ من أشد أجزاءِ جسدكَ خصوصية، من بشرتك، تلك ليست من شعرها، لا شيءَ مما حولك منها، الكثير من الأمور التي ابتاعتها، رسمتها، لمستها أو ربما تركتْ بعضاً من رائحتها التي لا تتذكرها عليها، لكن لا شيءَ منها، ولا حتى بقايا شعرها الذي قصرته لأجلكَ، ما فائدة أن تفقد امرأة شعرها لأجلكَ إن لم تتمكن من الاحتفاظ به؟ أمرٌ يشبه أن تحسم نقاط خصمكَ دون أن تُمنح حق الاستفادة منها، ككل شيءٍ من حولك، العطاء الوحيد الذي بإمكانك الحصول عليه هو الفقدان الذي يصيب الآخرين.
تتذكر رغماً عنكَ قدرتها الغريبة على الضحك بلا هواء، تحاول عبثاً أن تنسى لون رقبتها بعد ساعات العراك، ولكن اللون يحتل كل المساحة، يفقد الخزانة تفاصيلها، يجعلها جزءاً من جدارٍ أكبر من ذاك الذي تعرف بوجوده بقربكَ، جدارٌ يحمل بالضبط لون رقبتها بعد أن تفارق شفتاك نهاياتها العصبية المنتشية متعةً، تتذكر رغماً عنكَ الكثير من التفاصيل القديمة، التفاصيل الصغيرة التي لم تكن قد خُلقت لتحيا في ذاكرتكَ.
أزل كل الملابس في رأسكَ، عبث هو ما تفعل، لم تستطع، كيف لكَ أن تحب امرأة تعجز عن تخيلها عارية؟ أهو الشيطان الذي سموه لكَ الجنس يخيف خيالك من جديد؟ أهو ارتجافكَ عندما يهتز باب الغرفة خوفاً من أن تُرى ممسكاً بتلك العضلة المحرمة؟ أهو أنتَ الذي دفنت منذ بعض السنين؟ أهو وهمكَ أن الجذور قد اقتلعت؟ إنها تنمو، نحو الأسفل، لا تخطط للنمو فوقكَ، إنما التنامي داخلكَ كي تموت معكَ في لحظات التفتت الأخيرة، في لحظاتِ البحث من جديد عن ملجأ آمن، ذلك الجسد ليس جسدها، عُد إليها، تلمس تفاصيل خوفها برؤوس أصابعكَ، تأكد من وجود كل رجال القبيلة على باب فرجها، وتفاوض مع رجال القبيلة، أعطهم المال والنساء مقابل أن يرحلوا، عليكَ كي تدخل إلى جوفها أن تخرج من داخلها كل رجال القبيلة.
لا خوفاً ولا فزعا، لا شيءَ من هذا ولا ذاك رسم لكَ الحدود الجديدة، هي حركة رأسها، نفور جسدها البطيء ولكن الواضح للمترصد، لا قلقاً ولا هلعا، ولكن هو الباقي داخل أظافركَ من شؤمِ السنين، هو الرائحة التي وسم بها جميع عمال المدينة كي لا يتسللوا ليلاً ويسرقوا من الأسياد نساءهم، هو عرق المدينة المتراكم منذ اليوم تحت أذنيكَ، هو دخان المدينة يراكم المزيد من السديمِ قرب عينيك.
استرجع الاتجاهات، آن الأوان لتعي خيارات الغد، أن تفكر ملياً بكل حركة وكأنها ستملك أثر الفراشة، عليك المسير حيث سار من قبلك، عليك البحث حيث تاهت عيون من قبلك، عليك أن تكون أي شيءٍ، أن تكون مجرد سراب، أن تكون مجرد فكرة عن كيف يكون الإنسان مستنسخاً (بجودة منخفضة) عمن قبله.