أظافري المعتنقة عقيدة الخنوع

Soft-Construction-with-Boiled-Beans

أنتِ بعضي، أنتِ متممي المعطر، أنتِ بعض توازني، عميق عميق ضوضائي، ومنكِ تبدأ الأكوان، حيث تموت قنبلة، وحيث يسير الموت منتظراً أرواحه الأولى ليقطف، أنتِ كنتِ في ليالي الحزينة كأس النبيذ الذي سيسكب على ركب العاهرات، أنتِ مستساغ أحلامي وفيلمي الوهمي المفضل، أنتِ أنا حين أكون حنجرة، وحين أسير بلا حذاءٍ على حافة سياج السماء، أنتِ تلك الأوراق، بيضاء اللون عطرة الرائحة، وأنتِ الفكرة الأولى، التي سيبشر بها كاتب الإنجيل، أنتِ اللعنة الأولى، التفاحة الحمقاء، ولن تعودي، أعرف أنكِ بعد حينٍ لن تعودي، بعد رحلات قصيرة سيبدأ الطير بالصدود عن القفص، وسيعلم قريباً جداً أنه قادرٌ على عدم العودة، قادرٌ على عدم الرجوع إلى ذكرياتِ الدموع.

اِقطعي الأمل الأخير، وأنهي الصلة الأخيرة بين جنين ألمي ورحم انتظار رحمتكِ، باتت تعذبني، تلك الأسرار الصغيرة، وتلك الكلمات الصغيرة، تلك الأمور الصغيرة التي لا تنتهي، والتي تستمر بالهطول على رأسي ككلمات الشيطان الذي ينادي بالشر في كل المدن، أقاوم الرغبة المطرزة بالغريزة كي لا أضغط الأزرار، كي أتوقف عن ذلك الاعتراف المتكرر والذي يفقدني ثمني، يجعلني كسلعة تباع على الأرصفة بانتظار شخصٍ ناقص البديهة كي يطلق مساحتها الصغيرة لتغيير أجزاءٍ ضئيلة من اصطفاف غبار الكون.

سأرمي رصاصتي الأخيرة، بانتظار القدر أن يقودها لهدفي أو يجعلها تعود مرتدة نحو الفراغ المخصص لقطع سلسلة الحياة في قلبي، أبحث عن سببٍ أخير للتأني، أبحث عن سببٍ أخيرٍ للتعري قرب أعين القضاة الهاربين من محاكم التفتيش، أخاف أن يقحم كأس النبيذ في مؤخرتي مجبراً إياي على الاعتراف بفضل الأسطورة على السعادة التي يفترضون امتلاكي لها، أخاف من الوقوف على منبر عينيكِ، هناك الجمهور الأكثر إرباكاً في العالم، جمهور يجعل الدموع تُذرف من زوايا حنجرتي، وتملك علي مخاوفي بعضاً من الجنون، تسير بعض أضلاعي نحوة حافة التلاشي، والعودة نحو الحجرة المظلمة التي أطلقت أحشائي.

جداركِ حيث تختبئين بعيداً عن شحوب الشمس، تلك الحجرة المكورة كأول ملامح التلألؤ.

عندما يحين الفجر، ستصرخ جنيتنا الصغيرة صرختنا الأخيرة، مطلقة العنان للصفحات الأخيرة، مطلقة العنان للضحكة الشريرة من كاتبٍ يقتل أبطال روايته، يعذبهم على الورق بدون رحمةٍ تذكر.

تعالي حين أقول هنا، سنزرع رايتنا الأخيرة، تعالي وكوني بكامل حلتكِ الكثيرة، تعالي وارفعي الأكفان عن أجساد موطننا، اِنزعي بقايا العرش الذي بني على أجفان عقولنا، وقولي هنا، سيولد الجنين الأخير، هنا ستكون نهاية الشعب، الذي صبر على ضروب جنون حكامه، الذي نسي حصاده جارياً خلف ظلال أوهامه، وستتنبت رايتنا الأخيرة، على الشبر الذي بقي بعد ما سرقوا مملكتنا، نهبوا أكياس الطحين، وأبعدوا طعم النوم عن أجفان فحولتنا، وأخبرونا ألا وجود بعد اليوم لأفيونٍ يُدعى القضية، وحين ينتهي ذاك الشبر الأخير، شعبي سيفنى كمرور حذاءٍ عكسري فوق ذبابةٍ وسنترك في هذه الأرض تحسباً لما بعد آلاف السنين، سنترك على أمل رجوعه ذاك الجنين، وسنكبر ونحن بانتظار معجزة، تخبرنا بأن البذر الذي زرعنا في تراب أجدادنا قد آتى بعض الثمار، ولكن محال، نجاة العهد يبدو ضرباً من خيال، وسينتهي النهر الأخير بانتهاء الربيع خلف جبال قريتنا.

غداً الربيع سيمسح كل أخطائي.. وسيرجع لي حاملاً على بخاره، بعض عميق ضوضائي.

كلماتنا مثل التعاويذ القديمة، مريحة للنفس، عديمة النفع الطويل، مجدبة عقيمة.

أخبرونا أنه غداً سيعود، يمسح لعنة البكر المريض عن البيوت، ولن يذهب دون أن يكرر ذات الوعود.

أخبريني، هل آلمك ذلك القيء المخالف للطبيعة؟ هل أقلقتك أصواتُ الحزن من الأجنة؟

جاءت نهاية الأكوان، ولن يبقى بعد ثوانٍ، سوى دخانٌ معطرٌ، من احتراق الأقحوان.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها