لا أدري كيف تتم صناعة النبيذ حتى الآن، ولستُ واثقة إن كان كيميائياً يحتوي على الكحول، ولكني أحب الشعور الدافئ الذي يراودني بعد انتهاء الزجاجة الأولى، باقي الأحاسيس لا أدري عند أي حدٍ أو كمية من النبيذ تأتي، لا أتمكن من تذكر ذلك في الصباح، لكني واثقة من أنني في مرحلة ما أبدأ بقول اسمكَ، أعجز عن مقاومة الانقباضات التي لم تتوقف منذ رحيلك، لا أفهم كيف رحلتَ، أجد صعوبة في تعريف الرحلة الغريب التي اخترتها لنفسكَ، قد يسمونه موتاً، وقد يصرون إنه يحصل دون إرادة صاحبه، قد يصرون في حالتك أنتَ بالذات أنه حصل دون إرادتكَ، وإنما بإرادة الذي أطلق الرصاصة الباردة على مكان الندبة بين حاجبيكَ، لا يهم ما يعتقدون، فأنا أعرف واثقة ألا شيءَ يحصل لكَ دون إرادتكَ، وأن كل شيءٍ بالنسبة لكَ رحلة، متأكدة حد اليقين الذي لا يقبل شكاً أنكَ منزعجٌ الآن لزيادة ظهور الندبة بين حاجبيكَ، وتلقيكَ رصاصة تجعل من اختفائها شبه مستحيل بدلاً من إزالتها.
لا أدري كيف تتم صناعة النبيذ، وعلى الرغم من عدم ارتياحي لفكرة وجود نساءٍ حافياتٍ تعبثن بأقدامهن في العنب الذي صُنع منه نبيذنا، إلا أنني أستمر بشربه على كل حال، لا أكترث بأقدامهن، أتذكرك حين تقوم بتقبيل باطن قدمي، حين تسكب النبيذ على فجوة كاحلي وتشربه منها بنهم، أتذكر حين شربتَ زجاجة كاملة من النبيذ على جسدي دون أن تلوث كأسك بقطرة نبيذٍ واحدة.
يقولون أنكَ ميتٌ الآن، يقولون أن الآلاف قد خرجوا في تشييعكَ، وربما – أصر على ربما – كان خياراً جيداً إخفاؤكَ علاقتنا عن الجميع، الشهداء العازبون أكثر جاذبية من قصص الحب الخاصة بالشهداء، أكثر قدرة على الانتشار، ماذا سيكون موقف أولئكَ الذين ساروا في تشييعك إن عرفوا أن حبيبتك هي واحدة من الآخرين؟ اعذرني إن قلتُ “حبيبتكَ”، ولكن بي بعض الأمل أن يمرّ الشهر الثاني على موتكَ دون ظهور حبيبة لكَ، دون أن تظهر امرأة تبحث عن بعض الذات في نظراتِ المتعاطفين، قد لا أكون بالفعل حبيبتكَ، حتى أنتَ رفضتَ أن تعطي تسمية لما بيننا، كنتَ تناديني “حبيبتي”، نداءٌ أعرفُ مسبقاً أنك تستخدمه مع جميع النساء من حولكَ، الصديقات، الموظفات في عملكَ، أمكَ وأخواتكَ وقريباتكَ، كل النساء من حولك هن حبيبات، وأنا ماذا؟ يصعب عليّ وسط هذا الضجيج الأنثوي من حولكَ أن أعرف، وما تشق علي معرفته هو سبب عدم ادّعاء أي منهن أنها حبيبتكَ، ما هو الرادع الذي وضعته في وجه كل هؤلاء النساء كي يكتفين بالحزن صمتاً مثلي، والهروب – ربما – إلى الورق مثلي أيضاً؟ لا معنى لمعرفة هذا الجواب، لا قيمة له، لقد ذهبتَ إلى حيث لا ندري، وفقاً لكَ أنتَ ذهبتَ إلى اللامكان، أنتَ انتهيت، كم أتمنى لو أنكَ كنتَ تكابر على إيمانٍ ما، وأنكَ الآن في مكانٍ ألطف، أقل ذعراً، حيث لا تضطر لمشاهدة البناء المجاور يهتز بقسوةٍ، ليلد بعد مضاجعة سريعة مع المعادن الساخنة الكثير من الدخان الأبيض الذي ما زلتَ تصر إنه غبار.
أسوأ ما يمكن أن ترثه عن إنسانٍ هو الموسيقا، الأسوأ أن تلاحقكَ في كل مكان، لم أرث منكَ ذكرياتٍ عن أغنية أو مقطوعة محددة، ورثتُ منكَ ذكرياتٍ عن الموسيقا نفسها، أي نغمٍ يخرج عن إنسانٍ أو جمادٍ هو أنت، شهران سوى عدة أيام أنا قضيتها بلا موسيقا، حيضان بلا موسيقا، لم أشغل أغنية واحدة، وجودي وحيدة في المنزل سهل عليّ عدم السماح لأحدٍ بالتطفل عليّ بموسيقاه، لا أشغل التلفاز، حتى نشرة الأخبار يبدؤونها بموسيقا، قد تنقلني إلى مستوىً جديد من الذكرى لا حمل لي عليه الآن، لن أتورط بألمٍ جديد، سيكون عليّ أن أصمد إلى حين الذكرى السنوية، إلى نفس الدقيقة والثانية التي انطلقت فيها تلك الرصاصة الحمقاء، كي أتمكن من الوقوف بالضبط في النقطة التي قُتلت فيها من الكون.
إلى اللقاء صديقي، هناك سأكون قريباً حيث أنت، أياً كان المكان الذي ذهبتَ إليه، أنا آتية… هناك سنكون وحدنا أخيراً.