تعثرت الولادة من جديد، وبات الرحم أقرب من الإجداب بخطوة، غداً لن يأتي الليل من جديد، وستتعثر الولادة من جديد، وسيكون علينا مسح الدمع من جديد، ودفن الأجنة الميتة بلا رحمة، بلا صلاة، بصمتِ يخفي السر حتى عن الله.
عليكِ الهروب من جديد يا صديقتي، مرة أخرى على الجنين أن يموت، هو خيارٌ بين بويضة مخصبة سخيفة وحياتكِ، هذه المرة عليكِ الهروب، فالجنين الذي زرعتُ في تربتك الخصبة هو جنينٌ من نور، لا تنفع الأيدي الماهرة والأدوية السحيفة لقتله، عليكِ الهروب حالاً، هي خطوة وقفزة فوق الجدار بلا عودة، هي عبثٌ لا يحتاج سوى لعدة ثوانٍ من الشجاعة، وبضع ابتساماتٍ من الخبل، اُهربي، ودعي الجنين يصحو، دعيه ينمو دون أن يعرف النوم في ظلمة رحمكِ، عليه أن يكره الظلام، أن يزعجه الظلام، كما تزعج أنوار السيارات من يمارسون الجنس على جبل قاسيون وأطراف الشوارع الدولية.
سأكون بانتظاركِ هناك، خلف الجدار، على بعد خطوةٍ منه سيكون عليكِ أن تسيري خطوة واحدة بعد الجدار وحيدة، ومنذ نهاية الجدار إلى بداية الجدار التالي (تلك الفسحة التي نعدوها الحرية) سأكون معكِ في كل خطوة، سأمنع النسيم من المرور عبر وشاحكِ العتيق، سأرسم حدوداً لخاصرتك بشعري الذي يوشك على السقوط، سأغرق، وسنغرق، وسنتعلم طرقاً جديدة لنقل الهواء من رئتي إلى رئتيكِ بلا أدوات، سيكون عليكِ النجاة، سيكون على ابني المجبول من النور النجاة.
غيري مواعيد الصلاة، اعبثي بقبلة صلاتي كل مساء، وزلزلي الإيمان في داخلي بقبلة غادرة على العنق، اِمسحي عني باقي القذارة، أخرجيني من القطيع الذي يسير مقتنعاً إلى المزرعة، حيث سيسمن ويذبح ليتغذى على لحمه أولئك الذي خرجوا من القطيع.
تهوري، أطلقي العنان لمارد الجنون داخلكِ، اِنسي فضيلة الشجاعة، ليست الشجاعة هي الفضيلة، التهور هو الفضيلة، كل الفضيلة، ولا شيءَ سوى الفضيلة، هو قسمٌ نطلقه حين يسمح لنا بالخروج من الرحم الضيق إلى الكون شديد الاتساع.
ستدور ذريتي حول البحيرة، سيسيرون على الماء كل يومٍ كجدهم الأول، سيصطادون سمكة واحدة كل يوم تكفي كل الذرية ليومٍ كامل، سيعجنون الخبز من القمح الذي سقاه العسل، سيشربون ماءً ما زالت عالقة به رائخة تعرقنا، سيعلمون قبل الجميع أن تعرقي في حضرة جسدكِ هو الماء الذي تستحق الحضارة أن تقوم عليه.
لا تتبرجي، لا أريد لذريتي أن ترث وجه الثكالى، واخلعي ثيابكِ الزائدة، اِلبسي ما يكفي لتدفئة جنين النور، جنين الشؤمِ على أمته.