كي تسلق بيضة عليكَ أن تقوم بوضعها في ماءٍ بدرجة الغليان لمدة عشر دقائق، هذه هي الطريقة التي تعلمتها منذ صغري لكيفية الحصول على بيضة مسلوقة، ومن البديهي أنكَ إذا قمت بوضع البيضة في ماءٍ عادي دون درجة الحرارة تلك فإن جل ما ستحصل عليه هو بيضة مبللة، وكسر قشرتها لن يقدم لكَ مادة صلبة بيضاء صالحة للأكل مباشرة، وإنما فقط سائل لزج، قد تتمكن من أكله إذا قمتَ بقليه، ولكنك لن تكون قد حصلتَ على بيضة مسلوقة.
أعتذر على المثال الذي قد يعتبره البعض سخيفاً لأبدأ به، ولكن كان لا بد من مثالٍ بهذه البساطة كي أقول أن النتائج تتغير عندما نغير طريقة وأدوات الوصول إليها، وأحياناً قد يصل التغير في النتائج إلى درجة لا يمكن إصلاحها، ليس من عادتي أن أتكلم في السياسة بشكلٍ مباشر، وبذلتُ أنا والكاتبون الآخرون جهداً لننأى بنفسنا عن الكتابة بهذا الخصوص، ولكن اليوم قد وصلت الأمور في سوريا حداً لا يمكن السكوت عنه، وكلامي اليوم هو بشكلٍ أساسي لمن يطالبون بالتغيير، والذين يسعون إليه بطرقٍ مختلفة.
التغيير، فتح جميع الآفاق أمامنا، حلمٌ يراودنا، ولا بد جميعنا نملك صوراً مختلفة عما ستكون عليه سوريا بعد حصول النقطة الحاسمة التي يبدأ من بعدها التغيير، ولكن علينا أن نتروى قليلاً، نأخذ لحظةَ تأملٍ كي نتأكد أننا ننحقق التغيير بالطريقة الصحيحة، وباستخدام الأدوات الصحيحة، كي لا نحصل في النهاية على بيضة مبللة، ويكون الأوان قد فات لإصلاح أخطائنا وإعادة القيام بالأمور بالشكل الصحيح بعد أن تكسر قشرة البيضة.
الوضع الذي نمر به اليوم معقدٌ لدرجة لا يمكن فهمها، ولكن في الوقت نفسه هناك العديد من الحقائق بات من السذاجة إنكارها، اليوم شئنا أم أبينا الحراك الشعبي السلمي بات شبه مشلول، وأياً كان السبب فإن تلك نقطة تخرج القرار من يد الشارع والشعب، وتوكله لمن لديه الملكة الأساسية في الصراع الدائر؛ القوة.
ليس من المنطقي إنكار أن معظم القوة المسلحة المعارضة هي بشكلٍ أو بآخر ذات طابعٍ إسلامي، وفي كثير من الأماكن والحالات تصل حد التعصب الديني على حساب الانتماء الوطني، وقد وصلت هذه الحالات حجماً وتكراراً بات عنده من الظلم والتزوير القول بأنها أخطاءٌ أو حالات فردية، كما لا يمكن إنكار أن هذا السلاح يموّل من الخارج في معظمه، وتتنوع الجهات التي تموله بشكلٍ غريب يصل حد التناقض الأيديولوجي والمصلحي بينها، ما يفتح آفاقاً لصراعٍ قريب بدأت تظهر بعض معالمه بين تلك الجهات الممولة عبر أدواتها التي تديرها متحكمة بها بالمال في سوريا.
عدد القتلى وصل حداً لا يحتمل، وتحميل جهةٍ واحدة كامل المسؤولية أمرٌ يخلو من الصواب باعتقادي، وقد وصلت البلاد درجة من انعدام الأمن والأهم انعدام المسؤولية تجاهها يجعلها على شفير حالة تامة من الانهيار، والسلاح الموجود لا بيشر باستغلالٍ أمثل للانهيار والفوضى، ومثلاً مع ظهور شيوخٍ تدير – ولو أيديولوجياً فقط – بعضاً من تلك الجماعات المسلحة يطالبون حرفياً بـ”ذبح” من يقوم ببيع الكحول ومن يقوم باستقبال نساءٍ في منزله، هل هناك لدينا ضمانة بأن هذا السلاح الذي يغلب صوت العقل والأهم صوت الأغلبية لن ينفذ ما يتوعد به وما بدأ بتنفيذه في كثير من الأماكن؟ في حال سقط النظام ولم يعد هناك سلطة فعلية للجيش السوري وقوى الأمن الداخلي (الشرطة) على الأرض، هل هناك من سيكون قادراً منطقياً على ردع من يحاول القيام بأمر كهذا بقوة السلاح؟
رأيي ورأيكَ ورأي الآخرين كان مهماً، حين كان الصراع من أجل فكرة، حين كان الكثيرون يموتون من أجل أن يقولوا كلمة، ولكن اليوم عندما يصبح السلاح موجوداً، لا يعود للفكرة أهمية أو سلطة، ولاحظ ذلك بوضوح في ارتفاع درجة وقاحة الطائفيين مع ظهور السلاح، وإسكات العلمانيين ودفعهم للمجاملة وحتى الكذب للحفاظ على قبولهم من قبل من يسيطر وفي أحيانٍ أخرى للحفاظ على حياتهم.
لا أعرف ما هو الأمر الذي أطلبه بالضبط، ولكن كل ما أطلبه هو أن نأخذ دقيقة لنتأمل، ولتكون لدينا الشجاعة الكافية، التي تفوق بمئات المرات ربما تلك الشجاعة التي احتجنا للتمتع بها في بداية الحلم، لنقر بأخطاء أو سوء تقدير، وشجاعة أكبر كي نغير بعض آرائنا ونرمي بلا رجعة ما كان في الأمس مقدساتٍ بالنسبة لنا، ربما نتمكن رغم فسحة الأمل الضيقة التي نملك أن نستعيد البيضة المسلوقة ولا نضطر لرميها أو القبول بتسوية أكلها مقلية.
كلامك سليم مئة بالمئة ولكن المشكلة الحقيقية وسأقتبس قولاً للعماد مصطفى طلاس: “بأن هذا النظام وصل للسلطة بقوة السلاح ولن يتخلى عن السلطة إلا بقوة السلاح”.
هناك خطان لمن يحمل السلاح من المعارضة الخط الديني، والخط العسكري الذي يطالب بدولة مدنية يتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات، والحقيقة بأن معظم أفراد هذا الخط من المنشقين عن الجيش.