الضجيج والظلام

ضوء الغرفة بات مزعجاً، فأحد المصباحين المستطيلين الذين ينيرانها عادة معطل، والضوء يأتي من ناحية واحدة، كل شيءٍ في حياتي يبدو غير متوازن، خصوصاً إضاءة الغرفة، بتُ أجد صعوبة في الكتابة، فبداية السطر – بما أن المصباح الذي يعمل على جهة اليمين – تبدو واضحة جداً، وأكون متأكداً من أنها رائعة كما أريد، أما نهاية السطر فتتركني في حالة من القلق من أنها قد تكون مبتذلة أو مكررة، أو حتى أحياناً يكون من الصعب عليّ ألا أرتكب أخطاءً لغوية فادحة عند الكتابة في الجزء الأيسر من السطر، جربتُ أن أكتب كل السطور على النصف الأيمن فقط، ولكن عبثاً، مهما قلصتُ طول السطر كان دائماً ينقسم لجزءٍ مضاء وجزءٍ مظلم.

كنتُ سعيداً، وكان اتصالكِ كافياً كي أتوج سعادتي بابتسامتي المعتادة التي تستمر حوالي الأربعين دقيقة بعد التكلم إليكِ، ولكن هذه المرة لسببٍ ما كان الأمر مختلفاً، لم تكن ابتسامتي المعتادة حاضرة ولا حتى أثناء الاتصال نفسه، كنتِ تتكلمين وأنا أفكر في أمورٍ أخرى، كل كلمة تنطقين بها كانت تستفز مئات الذكريات والأفكار والخيالات في داخلي، وكانت الإضاءة غير المتوازنة تثير قلقي أكثر، بات من الصعب الاستماع لكِ بتركيز في ظل كل هذا الضجيج الذهني والضوئي المحيط بي.

أصلاً في الحالات العادية التي أراكِ فيها وجهاً لوجه يكون هناك نوعٌ آخر من الضجيج، وجهكِ! ألا تعلمين أن وجهكِ فيه الكثير من الضجيج؟ لن أحاول أن أصف وجهكِ وأقنع من يقرأ أنه الأجمل، فالقول بأنكِ أجمل نساءِ الأرض هو أمرٌ بديهيٌ كقول أي إنسانٍ أن الماء هو مشروبه المفضل، حين تكلمينني وأنا جالسٌ قبالتكِ أحاول عبثاً أن أركز في الكلمات التي تقولينها ولكن لا أستطيع، أحاول أن ألهي نظري بأمورٍ أخرى سوى وجهكِ، أنجح في الاستماع لكِ ما دامت عيناي لا تريان بشرتكِ، أحول نظري إلى السيجارة التي أشعلها، إلى هاتفي الجوال، أحياناً إلى أصابعي القبيحة فقط كي لا أراكِ.

ضوءُ غرفتي، منذ توقف عن العمل والأمور السيئة تحصل، حاولت أن أصلحه عدة مراتٍ باستخدام أعواد الكبريت والورق المقوى ولكن يبدو أن إصلاحه يتطلب أكثر من مجرد أعوادِ كبريتٍ وورقٍ مقوى، لم تفهمي كيف من الممكن إصلاح ضوءٍ بعود كبريتٍ أو ورقٍ مقوى، ذلك أمرٌ طبيعي، فأنتِ لستِ من أولئك الذين يصلحون أضواءهم بالخشب والورق المقوى، وفي كثيرٍ من الحالات لستِ من الذين يصلحون الأضواء أصلاً، أنتم تقومون على الأغلب بتغييرها قبل أن يدخل انعدام التوازن الضوئي إلى غرفكم.

لا بأس بذاك الاختلاف الطفيف الذي بيننا، ليس طفيفاً، ولكن سأدعي زوراً أنه طفيف، وسأنسى كل مرة أكون معكِ فيها شكل الأوراق الخضراء والحمراء والزرقاء التي اخترعها البشر كي يكون هناك ما يملكه البعض ولا يملكه الآخرون، لا بأس، كل مرة أرى فيها الهوة التي بيننا تتسع سأقول لا بأس، فقصتي معكِ منذ البداية لم تكن سيراً، كانت سيراً منكِ وقفزاتٍ مني كل وهلة كي ألحق بكِ.

مخيفٌ هو الشعور الذي أحس به الآن، أشعر أن الضوء سينحسر ويقوى، كيف؟ لا أعرف، ولكن الجهة المضاءة من غرفتي وسطوري ستصبح أكثر ضوءاً وتلك المظلمة ستصبح أكثر ظلاماً، وسأكون أنا مازلتُ واقفاً على الحد الفاصل بين الظلمة والنور، في النور الذي اعتدتُ عليه سأكون وحيداً وأنتِ وحيدة في الجزء المظلم، قد أسير نحوكِ، وأحيا ما تبقى من حياتي ريثما يصلح الضوء في غرفتي أو يتغير، هناك لن أكون قادراً على رؤية وجهكِ بسبب الظلام، وفي النور لن أستفيد شيئاً فأنتِ في الظلام، أنتِ في الجزء المظلم من سطوري، ذاك الذي لستُ واثقاً من خلوه من الأخطاء، ربما تكونين خطأ ستتم إزالته قبل النشر، وربما سأحافظ على هذا الخطأ، وأحتفظ بحقي بعدم النشر كي تبقي هناك، في الجزء المظلم من حياتي الذي لا يراه أحد.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها