هل أشعلتَ سيجارتك الأخيرة؟ أم أنكَ كالعادة تنتظر بزوغ الفجر لتدخنها مع آذان الصبح؟ هل تريد نصيحتي؟ أشعلها، لا تنتظر صوت المؤذن مرة أخرى، ألستَ أنتَ من كان يتبجح في النهار بأنكَ تكره صوت الأذان؟ ألستَ أنتَ من يقول كل يومٍ أن صوت الأذان ينتقص من حريتك؟ حسناً.. لقد أزالوا المئذنة من أجل حريتك التي تخاف أن تنتقص، ولم يكتفوا بعقاب المؤذن، بل أعدموه، خوفاً من أن يباغتهم في نومهم ويعلي الأذان بلا مئذنة، لقد فعلها قبلاً حين كانت الكهرباء تغيب عنكم طويلاً، وما من شيءٍ يمنعه من القيام بالأمر ذاته مرة أخرى…
ما بالكَ؟ لماذا أنتَ حزين؟ إنكَ جالسٌ بانتظار صوت المئذنة من جديد، متذكراً أيامنا سوياً، لا أدري كيف لهذا الطقس الديني البسيط أن يذكرك بي، ولا أدري كيف سمحت لذكراي أن تتسرب إلى تفصيلٍ كهذا سيتكرر في حياتكَ كل يوم، لا أفهم أي مخاطرة تلك التي قمتَ بها حين قررتَ أن السيجارة على شرفة منزلك مع صوت الأذان ستذكركَ بي، نعم! مر اتصالين أو ثلاثة بيننا استمرت لهذا الوقت، وكنتَ تكلمني وأنتَ تدخن سيجارتك على الشرفة وتطلب مني أن أرفع صوتي لأنكَ لا تستطيع سماعي بسبب صوت المئذنة، ولكن قد مرت اليوم سنتان، أقل أكثر لا أدري، فالسنة في قصة حبنا لم تكن تقبل القسمة على أي رقم، كانت تمر كيومٍ واحد.
لقد أخبروني بعض الأمور عنكَ، لا أدري إن كانت صحيحة، ولكني سأسردها لكَ وأنتَ صحح لي إن كنتُ مخطئة، قالوا أن ذلك السر الذي خلف أزرار بنطالكَ لم تعرفه أي فتاة بعد، حتى أنا لم تسمح لي بمعرفته، قالوا لي أموراً غريبة، أنكَ فجأة بتَ مهتماً بالشقراوات، وإنكَ بتَ “دون جوان”، كل يوم فتاةٌ جديدة، ولكني أعلم – كما كنتُ أعلم عنكَ قبل قصتنا – أنكَ تتكلم وحسب، تعجبكَ مئات النساء كل يوم، يسرقن قلبكَ بعينٍ واحد، بنظرةٍ واحدة، قبلة واحدة – على حد علمي – كافية لتعليقك بخنصر امرأة لسنة كاملة، بالمناسبة قد كلموني عن قبلة غريبة حصلت عليها، لم أفهم بالضبط ما حصل، يبدو أنك، بسبب فرحتكَ، لم تكن قادراً على التقاط أنفاسكَ حين أخبرتهم، من هم؟ لا يهم الآن، وربما حيرتكَ ستجعلك تمتنع عن عادتكَ المقيتة بكتابة كل شيءٍ يحصل معكَ، بفضح أسراركَ كيفما تيسر، ابدأ التحقيقات لتعرف من هم، ولكنك لن تصل يوماً، فمن أخبرتهم أكثر من أن تكفيكَ سنة كاملة لسؤالهم جميعاً إن كانوا قد أخبروني.
أخبروني أيضاً أنكَ بتَ تكتب الشعر الآن، أعرف أنك قد كتبتَ الكثير من الشعر ليَ قبلاً، ولكن هذه المرة يقولون إنكَ لم تعد تخفي الأمر كما اعتدت أن تفعل، وأنكَ بت تنشره، تكتبه على دفترٍ خمري قبل أن تنام كل يوم، دفترٌ – كما فهمتُ منهم – كتب على غلافه “الحرية”، تباً لهذه الكلمة كم باعدتنا عن بعضنا، لقد أرهقتني أثناء حبنا بالحرية، وكنتَ كل مرة تحصل فيها على بعضٍ من حريتكَ تسلبني من حريتي أضعاف ما حصلتَ عليه ، هل ما زلتَ تبحث عن حريتكَ؟ أم أنني نجحتُ في المرة الأخيرة أن أخيفك منها؟ لدي شكوكي، أعرف أنها كالتبغ لديكَ، إدمانٌ لا علاج له.
كم أنتَ يائس! تقوم بكتابة أمورٍ تأمل أنني أقولها سراً ولا أجرؤ على أن أقولها مجدداً في وجهكَ، ورغم ذلك حتى الآن لم أقل لكَ شيئاً لطيفاً واحداً، لقد قتلتُ المؤذن الذي تحبه، وهزئتُ بعدم مشاركتك للسرير مع امرأة حتى الآن، لا أعرف ما الذي يحصل في داخلكَ الآن، ولكني أعتقد أنكَ قد تماديتَ كثيراً هذه المرة، وأنكَ بشكلٍ أو بآخر بحاجة للمساعدة، لا! لا تنهض إلى عندِ هاتفكَ وتحاول الاتصال بي الآن، بكل الأحوال هناك من قد أخبركَ اليوم أنني خارج البلاد في رحلةٍ قصيرة، وبكل الأحوال لن يرن هاتفي، لا تبحث عن اسمي، فأنتَ لكثرة ما محيته وأعدت حفظه على هاتفكَ لا تعرف الآن إن كان موجوداً أم لا، انهض، ولا تنتظر الأذان، انهض وابداً بالكتابة، ابدأ بقتلي على الورق، أعلم أنكَ فكرتَ لعدة مرات في قتلي، لا بأس! أعرف كم هو مدى الجنون الذي قد تصل له حين تحب وحين تكره، ولا يهم.
المهم الآن أن تتخلص مني، أن ترمي كل ما بقيَ مني في سلة مهملاتكَ التي لا تملؤها سوى أعقاب السجائر وعلب التبغ الفارغة، توقف عن التظاهر بألم رأسكَ كل مرة تصادفني فيها، أصدقاؤكَ يعرفون أنني السبب، ولكنهم مازالوا يشفقون عليكَ ولا يريدون أن تتكلم في الأمر كي لا يشغلكَ أكثر، الجميع – حتى أمي – يعرف أنكَ ما زلتَ واقعاً في غرامي، أغلق حاسوبكَ، وحاول هذه الليلة أن تنام دون أن تتذكرني في الحمام، وكل شيءٍ سيكون على ما يرام.. آه لقد أشعلتَ السيجارة، حسناً هذا أفضل، ربما الآن بإمكاننا أن نعيد لكَ ذلك المؤذن الصغير.