لعبة من اثنين، لا تصلح لثلاثة، قد يلعبها ثلاثة بالتناوب، ولكنها صالحة فقط لاثنين، ربما الهروب من تلك اللعبة أحياناً أفضل من الدخول فيها، وفي قواعدها المعقدة التي لا تنتهي، ومن تلك المنطقة الضبابية التي نعلق فيها غالباً، تلك النتيجة التي لا تبشر بفوزٍ ولا خسارة، والأسوأ أن التعادل ليس نتيجة واردة في هذه اللعبة.
سميني طفلاً، سميني مراهقاً، سميني منحرفاً لو شئتِ، ولكن هذه اللعبة منذ عرفتها وبدأت ممارستها لا قواعدَ تحكمها، لا شيءَ يحركها، ولا شروط على من يرغب ممارستها، نتأقلم معها كما هي، بتقلباتها وتغيراتها المفاجأة التي لا تنصت في حدوثها لأي صوتٍ من أصواتنا التي تقول “كفى”.
كنتِ صريحة معي، وأنا أحترم الصراحة، ولكن أحياناً ما يحتاجه طفل مراهق منحرف مثلي هو نصف الصراحة، نصف الحقيقة، ما يحتاجه هو حقيقة مشوهة، كتلك التي انطلت عليكِ لسنين طويلة حول ذلك العجوز اللطيف الذي يزودك بالهدايا التي تريدينها كل سنة مرة، وأحياناً بعض الحقائق عليها أن تختفي، أن تكتب على ورقة وتحرق، يرمى الرماد وتفنى هذه الحقائق إلى الأبد.
حتمية السماء لا تمكن مقاومتها، وربما يوماً ما حتمية البشر الهزيلة ستصبح مثلها، ولكن اليوم ما زال البشر ضعفاء، مجرد أقزامٍ تتلاعب بهم الطبيعة الخارجة من داخلهم قبل تلك التي خارجهم، وتصنع منهم أشباه حيوانات، ترجع بهم في مسيرتهم الطويلة تسعٌ وعشرون مليون سنة إلى الوراء، وثلاث خطواتٍ يفقدها البشر، وتبقى حقيقة واحدة حول البشر يمكن التسليم بها، أنهم اثنان.. اثنان، اثنان، اثنان، ولا شيء يفعلونه متأكدين من حتميته وحتى إمكانية حصوله سوى لعبة الاثنين تلك التي أخبرتكِ عنها منذ البداية.
استمتعي ببعض الذل وبعض النصر الذي تحقق، استمتعي ببعض الخوف الذي عاد من جديد، وبعض التردد الذي استولى على الحكم بغير حقٍ مرة أخرى، أولئك هم النوع المفضل لديكِ، اغتصاب الحقوق، واغتصاب البواطل، تلك هوايتكِ، ولكِ أن تمارسيها كما شئتِ.
بالنسبة لي كالعادة تحركتُ، بحصاني قبل كل الجنود، معززاً بحيوانٍ رشيق موقع ملكي، وحامياً وزيره كي يقوم بشأن المملكة بعد رحيل الملك.
بالنسبة لي كل شيءٍ بات يشبه اللاشيء، كل الكلام يساوي الصمتَ لدي الآن، وكل الحب والكراهية يساويان كيساً من الدم يتحركِ بهزلية لعشراتِ السنين، بالنسبة لي الحياة باتت مسألة وقت، والموت مسألة وقت، وما بين الحياة والموت لا شيء.. سوى وقت.
حتى الزمن لاغٍ، ولي أن أختار منه ما أشاء، اللحظة التي أحب، وأنا اخترتُ لحظة واحدة، في مملكتنا، على عرشي أنا بالذات، اخترت صورة واحدة، تغيري كما شئتِ وتهربي كما شئتِ، تحولي مئة وثمانين درجة، تحولي ألف درجة لو شئتِ، فلا شيء سوى تلك الصورة سأراه، لا شيءَ سوى تلك اللحظة سأراه، لا شيءَ سوى ذاك الخيار الحكيم الذي اخترته من الزمن.. سوى تلك الصورة، وذاك المكان.