المعتقدات الجذابة، تتبعنا حيث ما ذهبنا، الحماس من أجل فكرة، القتال من أجل فكرة، والموت من أجل فكرة، أمور جذابة، تتبعنا حيث ما ذهبنا، نسمع الأساطير عن مانديلا، وعن مالكوم إكس، وعن مارتن لوثر ومارتن لوثر كينغ، عن يوسف العظمة، عن ابراهيم هنانو، عن الكثيرين الكثيرين، الذي لم يفكروا بأنفسهم، وقرروا القتال والموت من أجل الآخرين، ولكن حين نصبح قريبين من ذلك المكان، حيث لا يهم شيءٌ في العالم سوى شيءٌ واحد، سوى ذلك الشيء الذي نعتقد أنه الصحيح وأن العالم لن يستمر بدون حصوله، حين نصبح قريبين نجبن، نصبح غير قادرين على تذكر تلك السير الخاصة بأولئك الأبطال، فجأة نفكر بهم على أنهم مجانين ضيعوا حياتهم من أجل لا شيء.
جبان.. كم ترعبنا هذه الكلمة، كم ترعب الكثيرين هذه الكلمة، تلك التهمة التي لا يعاقب القانون عليها أحد، وما من أخلاق في العالم تلوم الشخص لمحاولة الحفاظ على حياته، ولكن ذلك اللعين الذي في داخلنا، دائماً يطلب منا ألا نكون جبناء، دائماً يطلب منا أن نقف، لا نفكر في المستقبل، نفكر فقط في هذه اللحظة التي توضع فيها شجاعتنا تحت الاختبار، ولا شيءَ آخر، نفكر في المستقبل بطريقة واحدة فقط، جبني في هذه اللحظة سيتبعني لآخر أيام حياتي، في هذه اللحظة سأحدد إن كنت سأعيش بالعار في داخلي أو سأكون متصالحاً مع نفسي حتى اللحظة التي سأغمض فيها عيني للمرة الأخيرة.
دارت الأيام، ومرت السنين، لم أضطر سوى لمرات عدة في حياتي أن أثبت لنفسي أنني لستُ جباناً، مواقف سخيفة معظمها في وجه بعضٍ من المدرسين، حياة هادئة، لا شيءَ يحصل ليضع اللعين الذي في داخلنا تحت الاختبار، ليضعنا هو الآخر بدوره تحت الاختبار، كل شيءِ مقرر مسبقاً، كل شيءٍ هناك من يقرره، ولا شيءَ لنا تغييره، ولا معتقدات حولنا جذابة كفاية لتشدنا إلى الموت من أجلها.
فجأة..!! كل شيءٍ حولنا ينتفض، كل المقاييس تتغير، ما كان الناس صامتون عنه في الأمس لم يعد قابلاً للصمت، ما كان مقبولاً في الأمس لم يعد مقبولاً اليوم، فجأة أصبح كل شيءٍ ممكناً، كل شيء بلا استثناء، أياً كان طموحك لتغيير العالم لم يعد مستحيلاً، الجميع مدعوون لتغيير العالم، لقلبه رأساً على عقب، كل اللعناء في دواخل الجميع مدعوون لوضع أصحابهم تحت الاختبار، ونقف جميعاً فجأة أمام خيارين حلوهما مر، إما أن نكون شجعان أو أن نكون جبناء، إما أن نموت وإما أن نعيش في العار لآخر عمرنا.
يحق لي، ويحق لكم جميعاً أن تختاروا الجبن، يحق لكم أن تكونوا جبناء وأن تدافعوا باستماتة عن جبنكم، ولكن علينا جميعاً اليوم والآن أن نتعهد لأنفسنا ولكل من حولنا، أننا يوماً ما، وفي مكانٍ ما ستكون لدينا الشجاعة الكافية لنعترف بأننا اخترنا أن نكون جبناء، أنا اخترت أن أكون جباناً.. ولكني غداً بالتأكيد سأكون شجاعاً كفاية لأعترف بأنني شخصٌ جبان.