يوماً ما سأقتل نفسي لأجلكِ، وكفى مناوراتٍ والتفات عن جوهر الموضوع، لا يمكنكَ أن تثبت حبكَ بشكلٍ قاطع سوى بأن تموت لأجل من تحب، لأنكَ تنتهي، لا تدع مجالاً للشكوك بغدٍ أو بعد غدٍ، لا تترك مجالاً لاعترافات تفسد نقاء حبك، يوماً ما سأقتل نفسي لأجلكِ – أخبر نفسي – وسنضحك كثيراً على الأمر حين ينتهي.
إن كان لا بد من براهين قاطعة؛ فلنكتب ما نريد البرهنة عليه بموتنا على صدورنا ونقطع أوردتنا واحداً تلو الآخر في الشوارع وعلى شاشات التلفزة التي لن يبقى أحدٌ لمشاهدتها، فلننتحر – نحن البشرية جمعاء – كي نثبت كل الأشياء دفعة واحدة ونبرهن عليها بشكل قاطع، في ذلك اليوم سأموت لأجلكِ.
العشاق/الغرباء يتغازلون هذه الأيام بامتداح فرنسية بعضهم البعض أو مهارتهم في حل أحجيات السودوكو، قيل لي أنهم يشعلون الأنوار حين يمارسون الجنس ويعصرون الليمون والرمان على السرة أو الترقوة باستخدام آلة كهربائية. من أين يأتون بالكهرباء أبناء القحبة؟
أنا حتى الآن لا أتقن المغازلة سوى كباحثٍ اجتماعي يقدم تقييماً نهائياً لحالة بين يديه، أطلق عشرين تقييماً نهائياً لذات الحالة كل يوم، حتى يصبح مشوشاً في ذهني “النهائي”، أحياناً أراقصها بشكلٍ جيد، أحياناً أقول جملة أو جملتين تفرحانها، ولكنني حتى الآن عالقٌ – في خطابي – خلف حاجز من الفضول لا ينتهي بخصوصها، أراقبها بدل أن أحيا معها، أصفها لنفسي بدلاً من تخيلها، وكأنني أفكر عبر آلة كاتبة.
هناك ستة آلات كاتبة تنقر في رأسي ستين ألف شيءٍ عن أشياء أخرى وعنها، وسط كل هذا الضجيج داخلي، أضف إليه ضجيج الحرب خارجي، أنى لي أن ألقي بالاً لواقعي؟
ألف عامٍ لا تكفي لما تطحنه هذه المخيلة.
مخيلتي سرقت مني ألف عامٍ دفعة واحدة، وإثر ذلك أشيخ، أشيخ كشجرة تحبس أفواه جذورها وتموت في الصيف؛ فصل صعود أرواح الشجر بسلام، تخيلت مئة حياةٍ ومللتُ الحياة تسعاً وتسعين مرة، لم أترك لي حياة أكتشفها، لم أترك لي حتى جزيرة من الظلام أغرق فيها دون تقارير مجهزة مسبقاً عما يمكن أن تكون، كل الأيام تبدو كإعادة العرض السبعين لفيلم لم أعجب به منذ المرة الأولى، يسحقني الزمن كرمالٍ متحركة، شاردٌ بحيوات أكثر إثارة لا ألقي بالاً لهرس عظامي تحت ثقل الأيام التي تدب على جسدي بتباطؤ سافل.
فيما تغرق عيناي، أراقب وجهها الفاتن، وتنمو لي أجنحة هزيلة.
–