من رواية (ناراياما) لـِ شيتشيرو فوكازاوا (1914 – 1987) – ترجمة: محمد علي اليوسفي – دار التنوير/ دار المثلث 1982
في غداة يوم عصفت فيه ريح شديدة طوال النهار وزوبعت من أول الليل إلى آخره، ارتفع في الفجر، بغتة، صوت يصرخ هذه الصرخة الغريبة:
- اعتراف بالذنب إلى السيد ناراياما!
بعد هذه الصرخة علا ضجيج سكان القرية هنا وهناك. وعندما سمعت أو-رن الصوت، انسلت بسرعة من تحت اللحاف، وتشقلبت خارجة من البيت. ورغم شيخوختها فقد تناولت هراوة. ومن جانب آخر، خرجت تاما-يان تحمل الطفلة مربوطة إلى ظهرها كما اتفق. وما هي إلا برهة حتى تناولت بدورها هراوة.
صاحت أو-رن:
- أين هو؟
امتقعت تاما-يان دون أن تجيب وكأنها لم تجد متسعاً من الوقت لتقول شيئاً، ثم أخذت تركض. وكان الجميع في البيت قد استيقظوا وخرجوا.
كان اللص هو صاحب بيت المطر. وكان قد تسلل خلسة إلى البيت المجاور، الصنوبرة المتكلسة، وبينما هو يسرق أكياساً من حبوب الجلبان، تلقى سيلاً من ضربات انهالت عليه من أهل الصنوبرة المتكلسة.
تعد سرقة الغذاء في القرية من صنيع الإنسان الدنيء. وعلى الأخير أن يخضع إلى ما يطلق عليه “اعتراف بالذنب إلى السيد ناراياما”، وهي أشد العقوبات قسوة. وتتمثل في الاستيلاء بالقوة على ما في بيت الجاني من غذاء، واقتسامه بين الجميع. وإذا سها الذين يذهبون للاستيلاء على قسم من الغذاء، فلم يتأهبوا للعراك والركض من دون أخطاء فإنهم لا يحصلون على شيء. ففي حالة مقاومة اللص، ينبغي اللجوء إلى الصراع والاندفاع بأسرع وقتٍ ممكن. وهذه السرعة تتطلب من المرء بالضرورة أن يخرج حافياً. والذي يخرج بحذائه، يكون معرضاً للضرب بدوره. وهكذا فإن الأمر يتعلق بصراع عنيف حتى بالنسبة للذي يخرجون ركضاً. ذلك أن مصادرة الغذاء هي مسألة من الأهمية بحيث تجدها موسومة في عروق كل شخص.
بلغ الإنهاك بصاحب بيت المطر حداً لم تعد معه رجلاه وكليتاه قادرة على الحركة. وتم القبض عليه في بيت الصنوبرة المتكلسة، لكنه حُمِل على الأكتاف حتى ساحة العيد. وأجبر بقية أفراد عائلة بيت المطر على الجلوس قربه. فكانوا يزمجرون من دون أن يدركو حتى ما يتوجب عليهم عمله. عندئذ تم ما يطلق عليه “تفتيش البيت”، هجم رجال أقوياء على بيت المطر وألقوا بكل ما يحتويه من أطعمة، إلى الخارج، أمام واجهة البيت. وعندما شاهد الجميع ما تم إلقاؤه خارج البيت، جحظت عيونهم من الدهشة. كانت البطاطا تخرج بلا انقطاع من شرفة البيت حتى صار يوجد منها كومة مساحتها حوالي تسوبو* ولم يكن يوجد مبرر لأهل بيت المطر، حتى يجمعوا كل تلك الكمية من البطاطا. إذ ينبغي زرع بعض حبوب البطاطا من أجل الحصول عليها. ولما كانت بطاطا الزرع تؤكل بعد انتهاء الشتاء، فإنه لم يكن يبقى منها في كل البيوت، سوى القليل، بل إنها كثيراً ما تكون مفقودة حتى قبل انتهاء الشتاء. وفضلاً عن ذلك كان الجميع في القرية يعرفون الكمية التي أنتجها كل بيت، لذلك يفترض أن أصحاب بيت المطر لم يجنوا عشر ما عندهم. ولا شك أن تلك الكومة من البطاطا هي ملك عائلات القرية كلها، وقد تم اقتلاعها وهي لا تزال في الحقول.
حصل الاعتراف بالذنب إلى السيد ناراياما خلال جيلين متعاقبين في بيت المطر. وأثناء الجيل السابق قيل إنهم أمضوا شتاءً وهم يقتاتون بجذور برية ولكنهم ما داموا قد قضوا الشتاء بشكل جيد، فلا شك أنهم كانوا يخفون غذاءً في مكان ما، في مكان ما من الجبل، قيل في ذلك الوقت.
- في بيت المطر ثمة سلالة، سلالة لصوص، وإذا لم نجتث أدنياء تلك العائلة من الجذور، لن نتمكن من النوم براحة بال، حتى في الليل! كان القوم يتهامسون.
تضم عائلة بيت المطر اثني عشر فرداً.
وفي ذلك اليوم لم يعمل أحد طيلة النهار. كان سكان القرية جميعهم مهتاجين وغير قادرين على استعادة الهدوء.
وعند أو-رن أيضاً كان الجميع شاردي البال. وكان تابي ممدد الساقين يمسك برأسه بين راحتيه وهو يحدث نفسه:
“وهذا الشتاء أيضاً، هل يمكن الخروج من الورطة؟”
لم تكن حكاية بيت المطر حكاية الآخرين فقط. ففي بيت تابي أيضاً هنا عوز شديد. وقد جعلته حادثة بيت المطر ينتبه إلى الأمر الواقع. الغذاء غير كافٍ ولا يمكن اللجوء إلى السرقة مهما حصل. في بيت المطر اثنا عشر شخصاً، وفي بيت تابي ثمانية. لكن الأكلة الشرهين كثر والعوز هو نفسه الذي في بيت المطر.