ليس عليك أن تكتب بنفسٍ أدبي عن دمشق، صف ما يحصل، شعريته كامنة فيه، بإمكان تقريرٍ أمني عن رجلٍ واحدٍ في دمشق، أن يفوق قصص تشيخوف وماركيز خيالاً ومغزىً.
تقرير رقم (288) إلى السفينة الأم – كانون الأول 2014
معظم المقيمين في دمشق يرجعون إلى المربع الأول، عندما بدأ ما بدأ في مدينتهم وجدوا أنفسهم لأول مرة أمام قضية كبيرة تعنيهم بشكلٍ شخصي، أياً كان الفريق الذي اختاروا التعاطف معه أو اللعب لأجله، كانت تلك فرصة لمعظمهم ليبنوا منظومة قيمية غائبة عن اللعب المؤثر في حياتهم إلى ذلك الحين، اليوم يبدو الأمر مختلفاً، أعتقد أنهم يدركون كون الحرب من الآن وصاعداً جزءاً اعتيادياً من البيئة المحيط بهم، ولم تعد حدثاً طارئاً يحتاجون لشخصية أو معنويات مغايرة عن المعتاد لاستنهاض خصوبته.
كنت أتابع الصفحة الرئيسية التي تحوي منشورات للأرضيين الدمشقيين الذين عقدتُ صداقة معهم للنفاذ إلى المزيد من المعلومات، لوهلة ظننتُ أن السفينة الأم قد تحركت خلفاً بالزمن أربع سنوات أو ما شابه، نفس الأحاديث القديمة، نفس الهموم القديمة، وكأنهم استيقظوا فجأة غير متذكرين ما حصل طول هذه الأعوام، وتابعوا الحياة كما اعتادوا أن تكون.
كاتب هذا التقرير اعتبر نفسه جزءاً من العينة المختبرة، لكونه مثلهم من سكان هذه المدينة، ومن الممكن بسبب تعاونه النفاذ إلى تفاصيلٍ أكثر من تلك التي يمكن الحصول عليها من أحاديثهم الساذجة على أرض الواقع أو في العالم الإلكتروني، وبالفعل وجد بعض علامات التحول الرجعي إلى ما كان عليه قبل اندلاع الحرب، أو ربما قبل السماع بإمكانية الصراع حتى، بالطبع بعض الظروف المعيشية ومكان السكن والأفكار الكبرى مختلفة عن ذلك الحين، ولكنه أثرٌ يمكن إرجاعه إلى عدم إمكانية تجاهل الظروف اللوجسيتة على الأرض، وذلك لطبيعتها المادية وإلحاحها بشكلٍ شبه يومي.
سوى ذلك لا شيءَ يستحق المراقبة في الشهر الأخير، ربما قد يلفت نظركم وجود الكثير من الوافدين الجدد لأسبابٍ غير دراسية أو مهنية، بعضهم بدؤوا بالفعل التأقلم مع أسلوب الحياة الدمشقي، ولكن معظمهم ما زالوا يحاولون التوفيق بين الصورة التي امتلكوها لأسبابٍ عدة عن هذه المدينة، والواقع المغاير تماماً العصي على الوصف باللغات الأرضية، أعتقد أن الاستعصاء الذي يراود هؤلاء في التأقلم سيتسبب قريباً بتعديلات تفصيلية في النظام الاجتماعي السائد هنا، بدءاً من التقرير المقبل سأبدأ بمراقبة النواحي محتملة التأثر، وسأزودكم بأي نتائج مهمة عن الموضوع.
الأمر بهذه البساطة، لا تستدعِ امبراطورية الصين أو القطارات السوفييتة، لا تفكر برائحة الزهور النامية على ضفاف السين أو الأمازون، لا تعتقد أنك ستقدر على إضفاء معنىً على واقع يفيض به، أو أن استدعاء نساء مملكة نبيال القديمة سيمكنك من توضيح زهد الأجساد مملة النظافة أثناء غزوات السرير، كل شيءٍ واضح ولا يحتاج مجازاً أو تأويلاً للتفسير، لا تفعلن شيئاً، اتكئ، أشعل سيجارة، واستمتع بالمشاهدة.