الورق والحبر، أو لوحة مفاتيح شديدة الانضباط وأصابع مدربة، الأمر لا يختلف كثيراً، أن تمر كصوتٍ عابرٍ غارقٍ عميقاً في الذاكرة أو أن تحتل سنتميتراً على رفٍّ قصيٍّ من مكتبة، الأمران سيّان، لن يذكركَ أحدٌ بلا مناسبة، ولن تبتسم فتاة تكره الكوكب لمرور عبارة قرأتْها في كتابكِ بذهنها.
الأصوات تكثر، اِفعل، لا تفعل، غير هذا، حسن من ذاك، اشرب واشرب واشرب حتى تجد لديكَ الحاجة للقليل من التقيؤ، التعليمات وإرشادات الاستخدام، القواميس المزيفة والتأويلات الساذجة تملأ المكان، كن حذراً، لن يتركوكَ وشأنك، ولن يكون الثناء إلا همساً، هِم بنفسك ولا تتكبر، وإن أعجبتَ بما أوحيت فاحذر، لا تعتقد أن من يهزأ يهدأ، أو أنه عبر عبوراً بعبارتك، فلولا انغمَّ لما اهتمَّ…
لكل مكانٍ رائحته وقصته القصيرة، ولكل ساعة من النهار مشروبٌ مناسب وقصيدة، ولكل ألمٍ مرارٌ في الرئتين ومقال. ماذا لو أخبرتكَ أنكَ تختصر الكون داخلك، وأن ما اعتقدته في البوح من خلق، ليس إلا سعياً إلى اقتباس المقولة الجيدة؟ اغرق داخلكَ، أعمق وأعمق حتى تصل القاع المظلم، حيث تتحسس المرجان ولا تراه، الكتابة ليست أن تقول بل هي أن تبوح، إذا أردتَ أن تقتحم هذا المكان الثقيل الظل، لا تكتب مقالاً، بل مباحاً يخرج من أعماقكَ ليطوف العالم وحمّامات المدينة.
لا تكترث للكتب، أن تكون في كتابٍ يعني أن تقتل شجرة، تلك ستبذل قرباناً أمام قدميكَ حين تثبت للعالم أن فيكَ شيئاً من النبوة، لا تكترث للنظارات السميكة والأقلام الثقيلة، أولئك جنودٌ في حروبٍ عديدة، وستقودهم اتفاقيات الإذعان لحراسة مخدعكَ قريباً، إنما، حين تتنقل بين عبارات اليوم بعد عشر سنواتٍ أو أكثر، اِكترث أن تبتسم ابتسامة عريضة.