قل ما شئتَ، ولوث سجل أخبارك ما دامت الشمس لم تشرق، فكلام الليل يمحوه النهار، وغداً، بعد أن تسير الحافلات كخرافٍ مدولبة، وبعد أن ترفع المآذن النداء اليومي لطقوس الظهيرة، قل لها، إن الليل يحكي أموراً ليس بوسعنا أن نقيها من شمسِ النهار.
قولي ما شئتِ، فقد بدأ الارتباك، حالكٌ ليل السكارى بلا بوحٍ يطيبُ للسامعين، أخبريني أنكِ بريئة من كل دين، انضجي كما شئتِ، فلا قطاف بلا نضجٍ وثمرٍ غض البشرة، نحن هنا لسنا سوى بعض الحصاد، أنا وأنتِ ككل فراشٍ في هذي البلاد، يُسرق، يُحرق، أو يترك لمصيرٍ مجهولٍ لا يعني أحداً سوى من رسموا ببقايا الطين، وريشٍ نبت على طير الفلين، أحلام الحاضر نازفة، ماءً ودماءً وسوائل أجسادٍ مرهقة، سوائل أجسادٍ يغتال سَكينتها الحرمان، قولي ما شئتِ، فأنا لستُ سوى جملٍ لا يكفيه سنمان، ليخبئ لأيام القحط بعضاً من كلام الليل.
أخبريني، أن الشوق اغتال زجاج نافذتكِ، وأن الكلام اللامسؤول، ولساناً أفاقاً معسول، قد اغتال حائرتكِ، أخبريني ما شئتِ، بي بعض الجلد على النسيان، إنسانُ كنتُ، يبحث بين ثنايا النهد عن الإنسان، يتأمل أطفاله في كيس مطاطي، فتستولي على تلافيف التبغ ضروب الأحزان، انقلي لي كل أخبار الليل والخمور، أخبريني كم تكرهين العبور، أخبريني أنكِ تكرهين الحافلة، والثياب والاغتراب والمرور كل يومٍ بقافلة، أخبريني أنكِ تكرهين الوجوه التي تحتل كصهيوني منكِ الذاكرة، أخبريني أنكِ كبحرٍ بلا أنهار، أن أخباري المقطوعة عنكِ هي لبُّ الحصار، قولي ما شئتِ فكلامكِ الليلي سيمحوه – بعد ساعتين أو ثلاث – ضجيج النهار.
تعلمي لغة جديدة يقال فيها كل شيء، لغة يقال فيها حتى القيء، وعلميني؛ أتقاس المسافة بين شوقين ومنضدة؟ هل الأحزان محددة كدائرة؟ أم أن فرجار المهندس لا يتسع لحيرتي؟ أخبريني إن كان ليل المدينة رؤوفاً بصغيرتي، تلعثمي، ارمي العلقم من شفاهكِ دون انتظارٍ للجزر النائمة، وقولي أنكِ رغم ألسنة الهشيم بريئة ومسالمة، وجهزي حبل المشنقة لأوراقي، فلديها غداً – بعد القراءة الصباحية – محاولة انتحار، عليها سأرسم باقة من رؤوس البنادق والفخار، وسأمنحها شرف الموت برصاصةٍ رحيمة دون مللٍ واحتضار، وأخبرها أن الفجر لن ينبلج، فغداً كلام الليل سيمحو النهار.