ليس الموت ما نهابه في أي حين بعد الآن، فلنمت، ما هو معنى الحياة إن لم يأتِ الموت مفاجئاً ككل ما فيها؟ فلنمت، فلتصبح خلايا جسدنا عظاماً بالية، فلتصبح عيوننا غداءً خالياً من الشحوم بالغة التعقيد للديدان، فلنمت، فلنكسر ذلك الجدار المخيف الذي نهرب منه طوال حياتنا، ليس أمراً منطقياً الهروب من جدار، الجدران لا تتحرك، أن تهرب من أمرٍ لا يتحرك يعني أنكَ أنتَ الآخر لا تتحرك أيضاً.
ليس الموت خوفاً، ليس الموت أمراً سيئاً، هو أمرٌ لا بد من حصوله بكل الأحوال، صدقتَ يا سارتر، نحن سنموت الآن وكذلك جلادونا، والفرق الوحيد بيننا وبينهم هو أن مدة الانتظار التي عليهم أن يقضوها هي أطول ببعض السنين من خاصتنا، وأنتَ يا سارتر قد مت، وربما أموت أنا قبل أن أتابع كتابة هذه السطور الحمقاء قد أموت أنا الآخر، ما المهم؟ أنا سأبقى أنا مع بعض التملق حين أموت، وسارتر… سيظل سارتر.
كفوا عن الهرب، كفوا عن مجاملة العذارى كي لا يقطفن روحكم قرب النهر الذي لا يجف، كفوا عن التمتع بأمورٍ ليست سوى منبهاتٍ سترن بعد ثوانٍ من المتعة معلنة الهرب، اغربوا عن وجه الله فليس لديه أعمالٌ بسخافة الحفاظ على حياتكم، الله مشغولٌ بالاستماع إلى طغمات الملائكة تسبحه ليلَ نهار، كم هو أمرٌ أناني خلق كائنات بلا معنى، تملك الكثير من الأجنحة للطيران، والقليل من الأفعال سوى تسبيح خالقها، أمرٌ يشبه تسجيل عالم رياضياتٍ صوته معلناً حصوله على جائزة نوبل، وإعادة تشغيل الشريط، في مرحلة محددةِ الملامح من الجنون سيصدق أنه ربحها، وربما – لا أؤكد شيئاً – سيربحها، ولكنه حين يرحل، لن يكون هناكَ متسعٌ في التراب لأسلاك الكهرباء، ولن يستمع للشريط من جديد.
أنتِ أيضاً، التي تحتلين كل تخيلاتي أثناء لحظاتِ مراهقتي التي تتابع التقلص، أنتِ أيضاً ستموتين، وستعلمين ذلك اللغز الذي حاولنا حله سوياً ومنفردَين كثيراً، أنتِ سوف ترحلين بلا مقدمات، وسيكون علي أن أسأل أولئك الذين كانوا يحلمون بلمس يدكِ عن كيفية موتكِ، وسيكون علي أن أقسم للعالم كله أنني أكثر من أحبكِ، أنني أكثر من كان لديه الاستعداد كي يمنح بقايا روحه مقابل إنقاذك من تلك الكارثة كل يوم، لن تموتي ككل النساء، لن يبرد جسدكِ، ذلك الحضن سيكون دافئاً حتى تحت التراب، حتى الرفوف الرخامية البليدة، أنتِ سوف تكونين الأمر الأخير، ستكونين المغزى الأخير للموت، وستعدينا كذباً كما فعل ذلك الفلسطيني المجنون بأن موتكِ سيمسح الموت، ولن يمسح – كما موته – سوى بعضاً من بقايا العقل التي تملأ رؤوسنا.
غداً سأكتب وصيتي، وكي يصبح الأمر أكثر تشويقاً سأموت بعد كتابتها.