هي كلماتي الأخيرة قبل الرحيل، هي كلماتي التي لن تُحفظ لشدتها، لا تقولوا شيئاً في ما يقال عن تلك الكلمات الاخيرة، وتهربوا قدر المستطاع من سد الفجوة في الحكاية، التي ستعرف يوماً على أنها أسطورة، ها أنا ناولتكم الخبز الأخير والخمر الأخير، ولا شيء بقي على طاولتنا لنأكله، لا شيء حتى كي نرميه للكلاب النائمة قرب زوايا الطاولة، الآن وقد ارتاحت معدتنا بات بإمكاننا السماع بآذانٍ مصغية، دون قلق، لا شيء يملأ عقل الإنسان مثل خلو معدته.
أبنائي، اليوم هي الليلة الأخيرة التي ما زال العقل فيها ينتصر على القلب في المنزل الذي بنينا أسسه سويا، اليوم هو اليوم الأخير في تقويم ما قبل الخطيئة، وغداً يبدأ عصرٌ جديد في التاريخ، عصر ما بعد الخطيئة، عصر ما بعد الانحراف، الحق أقول لكم، لا تبزغ شمس الصباح إلا وما داخلكم قد تغير كداخل برميل خمرٍ في فصول حصاد العنب، كونوا ثابتين كي لا يطال التغير ما في داخلكم، اِحرصوا على كلماتكم كي لا تختلط الكلمات التي تخرج من ذواتكم مع تلك التي تخرج من فم الرب، قد لا أعود، وقد أعود، أياً كان مصيري قولوا أنني قد عدت، هؤلاء اليهود تعبت أفواههم ونعست عيونهم من الصلاة إلى يهوه بانتظار المخلص، أصواتهم تلامس السماء كل نهار؛ “أدوناي، أدوناي”، أصواتهم أضجرت السماء، أتعبت أذني الله مراتٍ عديدة.
اِثبتوا في الإيمان، لا تضطهدوا من يركعون للسماء والشمس وأرقامهم الكبيرة، تذكروا أياماً طُردنا فيها من هياكل الرب لأجل قول ما قاله الرب، ولتكن آلامكم وآثار الجلد على ظهوركم شفيعة لهم عند اشتداد قلوبكم، الحق أقول لكم أن روما التي يركع لها الجميع اليوم، ستركع لكلمات الرب التي خرجت من فمي، ولكن الجميع سيستمر بالركوع لها، الجميع سيستمر بعبادة الآلهة القديمة، سيصنعون لها وجوهاً جديدة، ستُسمى الآلهة بأضدادها ويستمر الركوع للآلهة نفسها.
أقول ما أقول وأنا عالمٌ أن الغد لن يكون كاليوم، وأن مظهر يدي على الصليب نازفة الدماء سينسيكم ذاك الثبات الذي أشتم عبيره من صدوركم، اليوم عرفتم السر العظيم، علمتكم أن البحث عن الله خارج أحشائنا هو مجرد عبث لا ينجب، وأعلم أنكم ابتداءً من رؤيتي أصرخ كلصٍ يسعى لإنقاذٍ أخير من الصليب ستبدؤون بالتشتت، ستبعدون أنظاركم بعيداً، أعرف أن عقول البعض منكم بدأت تطير نحو فارس وجزيرة العرب وآسيا وبيزنطة وروما، أعلم أنكم من الآن بدأتم بالبحث بعيداً عن أحشائكم، بعيداً جداً عن أحشائكم.
اِنهضوا الآن، نذهب إلى ذاك البستان القريب، نصلي إلى الله ريثما يحين موعدنا معه، لا تقلقوا سنكون جميعاً هنا، أخوكم الذي أرسلته في طلبٍ شيءٍ لأجلي سيتبعنا إلى البستان، أخبرته أن يتبعنا هناك، وقد يكون معه بعض الأخوة الآخرين، لا تفزعوا، هم مختلفون بعض الشيءِ عن سحنات وجوهنا المتعبة.