وما المهم في ذلك؟ ما هي الأمور التي تمنع هذا الأمر من أن يكون تافهاً؟ ما المهم في أنني انتظرت حصول أمرٍ ما وحصل؟ ليس مهماً، لا أحد منا مهم، نحن مجرد شخصياتٍ ثانوية في مسرحية يتابعها الجمهور بشغف، نحن – الشخصيات الثانوية – نحب ونكره وتنتهي قصص حبنا دون أن يأبه أحدٌ بذلك، دون أن ينتبه الجمهور إلى قبلاتنا، دون أن يصفق أحدٌ لنجوانا، بعد مئة عامٍ سيعود الجمهور للمشاهدة من جديد ممتلئاً بنوستالجيا لا حدود لها، تكبر حدودها إلى حد يسمح لنا بالوجود ضمن إدراك هذا الجمهور الوفي، لا ندخل الإدراك البليد سوى بعد مئة عام.
هناك سنختفي من جديد، خلف الزمن المجهول من النهار، خلف الساعات التي لا يتم إحصاؤها مع الساعات الإثنتي عشرة الأخرى، هناك سنذوب من جديدٍ في مكانٍ لا فواصل بين أجزائه، في زمانٍ منعدم المرور، في منطقة بين الموت واللاموت، بين الحياة وتضيق ممرات التنفس، هناك سنقف مكتوفي الأيدي والأقدام، مكتوفي الألسنة والآذان، مكتوفي العقل والمنطق، سنقف هناك بلا حراك، ننتظر قدوم البشارة الجديدة التي تعيد التكور إلى الزمن، وتعيد الهدوء إلى الصمت الذي يُنَغَصُ منذ ألفٍ وخمسمئة جيل.
كل ما زاد الانتظار زادت الأمور التي ما بعد الانتظار، هي ساعة رملية، كل ما أخذت من الألم مبكراً تتم مكافأتكَ بمزيدٍ من السعادة مؤخراً، هناك أمورٌ لا بد من مراعاتها، لا بد من أخذها في عين الاعتبار قبل أي تحركٍ نحو أي اتجاه وقبل أي قرارٍ بتوقف التحرك، على الكتابة أن تكتمل، وعلى السنين التي انتظرت طويلاً كي تمضي… تمضي.
هي المحاولة الثالثة عشرة بخصوص السعادة، هو السعي الأخير نحو ترابٍ قيل أنه من أرضِ الجنة، على الكتابة أن تكتمل، وعلى السعادة أن تغتنم تلك الفرصة الأخيرة للوجود بين أكياس الغنائم، قد لا يكون هناك وقتٌ كافٍ للكلام، وقد لا يكون هناك كلامٌ كافٍ للوقت..
هي المحاولة الثالثة عشرة لتغيير الكون في اتجاه يمنع الخمر من الفساد، ويمنع الجرذان من التكاثر، غداً، بعد غدٍ… ربما بعده، في أي وقتٍ تنتهي فيه أعمالك اللعينة التي لا يبدو أن لديها نية أن تنتهي، في ذلك الوقت الذي نجهل سنحرك المياه الراكدة من جديد، وسنوقظ الضفادع معلنين لهم أن عليهم أن ينتقلوا إلى مكانٍ آخر، فهذه من الآن هي بحيرة حنيسارت، ولم تعد مستنقعاً.