سواكِ لا أحد، وبعد الليل يأتي الأبد كي تسير الأمور إلى نطاقها الصحيح، محاولة بسيطة كي أطلق رأسي نحو حدود اللامعقول، وأبحث رغماً عني عن أسبابٍ ضمن المعقول لذاك اللامعقول، وأبحث بين الدخان والأنفاس متشابهة الرائحة عن وجهكِ، ولكن عبثاً، كل الوجوه أصبحت واحدة وكل العيون أصبحت واحدة، وأكتشف أن السبب ليس شيئاً سوى أن الكهرباء قد انقطعت.
الصوت لم يتوقف والهذيان لم يتوقف، أشباه الهلوسات التي ترتطم برأسي مازالت لا تتوقف وكل شيءٍ بات غير معقولٍ على الإطلاق، ولا أفهم ما الذي يحصل في داخلي، ولا أفهم الكثير من الأمور، لا أفهم لماذا أنتِ هنا، والأصعب لا أستطيع أن أفهم لماذا أنا هنا من الأساس، ماذا تفعل حقيبتي معي هنا؟ ماذا تفعلين أنتِ معي هنا؟ هل هذه رقصة أم مجرد محاولة يائسة لموازنة الأرض التي انحرفت عن محورها أكثر من اللازم؟
الابتعاد عنكِ لم يأتِ بنتيجة والاقتراب أتى بنتائج سيئة للغاية، من المخجل أن أقوم بهذا، من المخجل أن أكون هنا، ومن المخجل أن نلتقي في ظرفٍ من انعدام الوعي والحضارة كهذا، من المخجل أن تتحرك الأمور باتجاهاتٍ لا نشاؤها لها، من المخجل أن نتحول من أسيادٍ لحركات الأمور إلى عبيدٍ يتبعونها، نحن البشر، نحن من يحكم الكون، وليس للكون قولٌ في حركته سوى قولنا في ذلك، وليس لأحدٍ الحق في تغيير المسائل سوانا، وتتابع الموسيقى بغباءٍ لا محدود، الصوت جميل، الصوت قبيح، نعرف الأغنية، لا نعرف الأغنية، من يهتم، كل الأمور متماثلة، وكل الأفعال متشابهة، صراخ وصراخ، والكل يظن أنه يغني، حين يستيقظ مبحوحاً سيقول “كنت أغني”، أما أنا سأصرخ من جديد وأقول “كنتُ أصرخ… كنتُ أصرخ يا أولاد القحبة”، وبعد القليل من الزمن سينتهي المساء، الوقت مبكرٌ على الثمالة، والسؤال مبكرٌ على الجواب، أعرف أنكِ تعرفين، وأنكِ كنتِ تعرفين، وأنكِ سوف تعرفين، وأعرف أن الجميع يعرف، والجميع يعرفون من يعرف وماذا يعرف، والسيل المعرفي الذي يجتاح عالمي سيقضي على كل شبه خصوصية كنتُ أملكها، شبه خصوصية، لم أملك يوماً خصوصية كاملة، سوى بعض الخصوصية وشبه الخصوصية لم أملك.
سواكِ لا أحد، وأعرف أن سواي آحاد كثر، سواكِ لا شيء وأعلم أنني مجرد ذرة صغيرة تافهة في قلب المحيط، وأعرف أن التغيير الذي أبغيه لن يحصل ما دامت الأرض تدور في نفس الاتجاه، حول نفسها وحول الكون، وأعرف أنكِ ستعرفين كيف حصل كل شيء، وستسامحين كل الأمور المخجلة التي فعلتها، وأعرف أن المسيح في هذه الليلة بالذات قد ولد، وفي هذا النهار بالذات قد جلب الخلاص للعالم، ولم يُصلب، قدمني أضحية هذا العام لأحمل على ظهري خطايا العالم، خطايا الكون، وخطايا الذين يصرخون ويعتقدون زوراً أنهم يغنون.