سنسير على الطريق طويلاً، وستكون الكثير من المعجزات تحصل حولنا دون أن نعيرها انتباهاً، سيقوم الموتى من القبور، وستشفى جميع الأمراض من أصحابها، ستكون كل الأمور على ما يرام، كما يشاء البشر ستكون كل الأمور، ستصبح السماء فوقنا وردية اللون، وأقواس قزح ستملاً حجارة الأرصفة، ستتحول الزهور من حولنا إلى فوانيس وشموع بملايين الألوان كتلك التي تحبين توزيعها حول المكان كل مرة تجلسين في الظلام، أو تختلقين الظلام.
سنصعد سوياً نحو ذلك المكان الرائع، ستصبح كل دمشق رهن إشارة من أيدينا، رهن طرفٍ من عيوننا، سنطلب ببساطة أن يهدم الجامع الأموي كي نرى أبعد، وأبعد وأبعد كثيراً، كي نرى ما بعد الجامع الأموي، سنهدم كل المنازل من حولنا، سنحيل الدنيا خراباً ونبقي على ذلك السطح الواسع والغرفة ذات الجدران الزجاجية، سنختبئ خلف الزجاج، سندهنه بتلك الألوان الزيتية التي تملأ المكان، سنجعل من كل شيءٍ حولنا ملوناً، أمقت من اللون الأبيض اللالون، الشفاف سيئٌ للغاية، يذكرني بمجرمي الحرب ومجرمي السلم، يذكرني بالكثير من العري والعهر الذي يملأ حجارة دمشق، تلك التي تخبرني بكل قصص الفواحش دون أن تخبر غيري أحداً، تستفزني كل يومٍ.
سأخلع نظارتك الجديدة عن عينيكِ، وأدعهما تضلان الطريق من جديد، سأجعلك تريني ثلاثاً، أربعاً، أياً كان عدد فتيان أحلامكِ، سأحملك على إصبعي، لا تحتاج امرأة صغيرة مثلكِ أكثر من إصبعٍ واحدٍ لأحملها، سأرتاح كل ثانية قليلاً، سيكون عليّ تحمل وزنكِ على بطني لنصف ثانية، وثم أحملكِ بإصبعي لثانية أخرى.
ستهرب القطط من حولنا، ستهرب جميع الحيوانات، وجميع الجراثيم والفايروسات ووحيدات الخلية، ستبقى منا ذكرى على الغبار المتناثر بوقاحة على الأرض من حولنا، ستبقى منا الكثير من الأمور، وفي النهاية لن تكون سوى جزءاً من الغبار الذي تركنا عليه ذكرى.
سأصور الجامع الأموي وهو ينهار، سأصوركِ واقفة بلا حراكٍ والجامع ينهار من حولكِ، ستكون تلك المئذنة التي حيرت مصوري العالم صامدة في النهاية، سأرمي كاميرتي عليها، واتركها تنهار لا مبالٍ، سأقترب منكِ وأستأذنكِ بعد ذلك من أجل قبلة، ستقولين نعم، سأقبلكِ قليلاً، قليلاً جداً، ثم لن تكفين عن النظر إلى عينيّ، ستبدأ الذكريات تخرج من داخلي، ستملأ المكان، ستتسرب عبر الدرج نحو المنزل، لتغرق القطط التي هربت منذ قليلٍ بها، ستتكاثر المناشف المعلقة بانتظامٍ على بعض الجدران، الكؤوس ستتكسر، لتعيد تكوين نفسها كزجاجاتِ نبيذٍ بالكاد في أسفلها بعضٌ من المشروب الأحمر لتبلغ عن ليلةٍ لطيفة مرت يوم أمس، سيغرق كل المنزل بالذكريات، كل المنزل العتيق ستخترق جدرانه الجميلة ذكرياتي، ستمر من بين أصابعي بعض الذكريات، تتفرجين على كل ما حولك تحطمه ذكرياتي، ولا تبالين، تستمرين بالنظر، منتظرة خلو ذاكرتي كي تبدئي بتكوينها من الصفر، ولكن ذلك لن يحصل، وفي اليوم التالي ستتصدر صورنا صفحات الجرائد المتملقة وبالخط العريض فوقها “ماتا غرقاً بالذكريات”.
نص مؤثر جدا….لن يكون شيئا على ما يرام بعد الان في هذا الكون الكبير…لن يكون شيئا على ما يرام ابدا…سنغرق حتما في قلب الذكريات…وسنغرق في اللامعنى للوجود والحياة …سننغمس في جوف العتمة دون ان يرانا احد…حتى لا يتبقى منا اي اثر…حتى ولو قليلا من الغبار…حتى الزوال الاخير…