أليس ممتعاً ذاك التلاعب الذي تمارسينه على حواسي؟ ممتعٌ حد الدهشة، رائعة تلك التحركات اللطيفة التي تمارسينها، تلك المهلة الصغيرة التي تمنحينيها كل حين وحين لأتابع تأمل عينيكِ، لعبة الألوان الطفولية التي تمارسينها عليّ، لم أكن أعلم قبل تعرفي إليكِ أن بإمكان الإنسان أن يغير لون عينيه، على الأقل ليس بإرادته كما تفعلين.
تتصرفين أحياناً كامرأة، كطفلةٍ، وأحياناً كجدةٍ حنونة، ولكن تلك الشابة تطغى بالنهاية على كل شيء، بتلك الأنوثة التي تزيد عن حاجتكِ ورغم ذلك ترفضين مشاركتها مع أحد، نعومة بشرتكِ التي تسيطر على كل حواسي، تمررينها بهدوءٍ على وجهي، تحرميني من كامل ملمسها، تعرفين أن شعراتِ لحيتي القصيرة ستقوم بتغطية البعض من خلاياكِ، بالضبط تلك الخلايا التي أحتاج أن تتزواج بوقاحة مع خلايا وجهي.
تقومين ببنائي ثم تختفين، تقومين بسرقة الحزن من داخلي ثم ترحلين، لا أعرف إلى أين ترحلين، ربما لترمي ما سرقتِ من الحزنِ في حاوية قمامة قريبة، في ذلك الوقت يتراكم المزيد من الحزن، تتراكم المزيد من الهموم، أنتظر بلا صبرٍ اتصالكِ، صوتكِ بدل صوت عاملة الهاتف البلهاء، كي يبدأ الوجد بالتلاشي تدريجياً كموسيقا تصويرية لفيلم عند نهايته.
“فلنصنع فيلماً سوياً”، لستُ صانع أفلام، ولكن لأجلك ربما أصبح صانع ساعاتٍ حتى، صانع أحذية، أي صناعة تضمن لي المزيد من الوقت بالقرب من وجهكِ، من فمكِ، بالقرب من ذلك التوهج الذي يصدر عنكِ باستمرار، ولا يراه أحدٌ غيري، يبتهج هذا التوهج بوجودي، يزداد استعاراً لأنه يشعر بوجوده، يحاول أن يثبت المزيد من القدرة على التحول والتكاثر تلقائياً، سنصنع فيلماً، سنصنع مئات الأفلام، سنصنع الآلاف منها، سنجعل اسمي واسمك أكثر الأسماء صناعة للأفلام في العالم، سأجعل اسطواناتِ الأفلام التي صنعناها سوياً تملأ غرفتكِ، لا تترك لكِ مجالاً للتحرك أو النوم أو الحلم، سأحوّل كل أحلامكِ إلى أفلامٍ قصيرة، وحتى تلك التي لا تتذكرينها، سنخمن ما كان فيها، سنجعلها أفلاماً قصيرة أيضاً، نكتب في نهايتها “مبنية على أحلامٍ حقيقية لم يرها أحد حتى صاحبتها”.
ربما كي نقضي على تلك الطائفية البغيضة في بلادنا الصغيرة علينا أن نتجاوز مرحلة الأخوة فيما بيننا، ربما علينا أن نتجاوز الكثير من المراحل التي مقتناها ومقتنا صانعيها، سيكون علينا أن نرجع ثلاثة آلاف عامٍ إلى الوراء، ومن ثم نبدأ من جديد، وحين نصل إلى نهاية الالآف الثلاثة ونتجاوز مرحلة الأخوة، سنصنع فيلماً قصيراً جداً عنا، ماذا؟ نعم أعرف، سنصنع فيلماً قصيراً عنه أيضاً.