كان يا مكان، في قديم الزمان، كان هناك قرية اسمها عتيبة، دين أهلها وأفكارهم غريبة، محرمٌ عليهم الاستحمام، أو اقتراب الماء من الأقدام، عاشوا سنيناً وزادت الروائح، اعتادوا عليها وباتت لديهم من الملامح، وكان البعض يتعبون، من القذارة يمرضون، إذا قالوا “نريد الماء”، حسبهم أهل عتيبة أعداء، وإذا وجد لدى أحدهم صابون، قالوا “من هذا المجنون؟”، ومرت السنون وتتابعت الأيام، والعتيبيون بلا حمام، وكان لديهم مختار، يحفظ في القرية الأسرار، كان لهم الرأس الأكبر، ما يطلبه فوراً يحضر، طلباته في لمح البرق تصير أوامر، ومهما طلب أهل عتيبة يردون بـ”حاضر”.
في أحد الأيام الصعبة، جاء المجرم حتى العتبة، قتل المختار بسكين، وجلس مكانه طول سنين، وذاك المجرم كان صغير، لم يرى من قريته كثير، لم يفهم لماذا منعوا الاستحمام، والصابون ممنوع من الاستخدام، وصار إذا ما أحدٌ تجرأ، واستحم عليهم يقرأ، فرماناً أصدره المجرم، بسماحه بالاستحمام يعلم، هاج أهل القرية وقالوا حرام، في شرعنا هو الاستحمام، لم يأبه بحديث الناس، واشترى من الصابون أكياس، وصار من يخفي الصابون، يخرجه أمام العيون، ورجال المجرم تحميه، ممن لنظافته يعاديه.
بعد زمانٍ أهل عتيبة، ما عادوا يرون النظافة غريبة، ورغم أنهم كبروا على تحريم العطور، باتت النظافة أمرٌ ميسور، ومن استحم علناً كان، قلة رغم الفلتان، وآخرون ادعوا العفة، وأن قذارتهم تمنحهم خفة، سراً أعجبتهم أشكال، من استحموا ونظفوا الأسمال*، شيئاً شيئاً باتوا يزيدوا، من النظافة يومياً يريدوا، والمجرم كان بالمرصاد، لمن يمنع النظافة عن العباد.
دارت الأيام على هذه الأراضي، والمجرم عن فعله راضي، لكن المجرم لا يتغير، إجرامه بحكمه لن يتأثر، ظل يقتل ظل يسرق، من أرزاق جميع الناس، والأعراف دوماً يخرق، من عارض يقتله بلا إحساس، ورغم النظافة التي أحبوا، في الظلام الناس انتحبوا، ملوا الظلم الذي يزيد، وتحول عتيبة لقرية عبيد، شيئاً شيئاً صاروا يقولوا، أن عليهم أن يحولوا، دون استمرار الأحكام، في يد المجرم بإحكام، وبحثوا سبيلاً ثم سبيل، كي يخلصوا من ليلٍ طويل، ولكن ذاك المجرم كان، يتجسس حتى على الكتان، لا أحد يتحرك دون، أن تراه للمجرم عيون، حتى ظهر في القرية شجاع، ملأت قلبه الأوجاع، وكان متمسكاً وعفيفاً، يأبى أن يكون نظيفاً، دخل على بيت المجرم بوحشية، كي ينهي زمن العبودية، رفع فأسه مرة واحدة، أسقط على رأسه ضربة واحدة، وقضى على حكم المجرم، الذي ما فتئ يظلم، واحتفل أهل عتيبة بالشجاع، ووصل الفرح إلى الأصقاع، وقالوا له إخطب فينا، يا من قلبت موازينا، خطب الشجاع بأهله، وسر بكل ما في قلبه:
اليوم عتيبة باتت حرة، وتعلمنا من محنتنا عبرة، بعد اليوم لن يحكمنا، أي مجرم لا نريد، وعلى النظافة لن يجبرنا، من ظننا للصابون عبيد، منذ اليوم لن نسمح، لمن أراد أن يصير نظيفاً، أن يبرر أو يشرح، ولن يكون العقاب لطيفاً، سيدفع ثمن تحدي عتيبة، وتعديه على الشريعة، ستكون الأحكام غريبة، ونهاية النظيف شنيعة، بعد اليوم سوف نتنعم، بروائح عرقٍ وجرب، ومن شاء النظافة يعلم، أن العطر من عندنا هرب…
ارتبك من أهل عتيبة كثير، خصوصاً من استحم مؤخراً، فبات لشرع الماضي أسير، وحمامه ليس مبرراً، صرخ شجاعٌ آخر من بين الجموع، “لماذا نسيت ذكر الجوع؟، أم أنكَ ثرتَ على صابون؟ وليس على مختارٍ مجنون؟ من شاء فليبقي الرغوة، ومن شاء فليبقى عفناً، لا مزيد من حكم القوة، فقد عانينا منها زمناً، غداً نشتري صندوق، والكثير من الورق، وحين يحين الشروق، وحتى مجيء الغسق، كل يكتب على قرطاس*، كل واحد من هؤولاء الناس، هل يريد حكم الصابون، أم حكم الشرع المأمون، وندع لأهل القرية القرار، وحرية الرأي والاختيار” صرخ به كل الأهالي، شرعنا على قلبنا غالي، وكان النصف منافقون، سراً النظافة يريدون، لكنهم يخافون الفضيحة، ونظراتٍ صامتةٍ فصيحة، قالوا “رغم الحديث الأبله، لا بأس من أن نتنبه، وغداً سنفعل ما قال، رغم أن الصابون محال، ولكن كي لا أحد يقول، أننا قد أجبرنا الناس، على شرعٍ من رب الفول، بوحشية وبلا إحساس”
جاء صباح اليوم التالي، ليؤخذ القرار الغالي، كان الجميع ينتظرون، قراراً هاماً سيأخذون، وطلباتهم باتت أوامر، بعد أن رحل الظالم المغامر، علناً كان الكل يقول، بيننا وبين النظافة سنحول، وسراً كان معظمهم كذاب، يخفي ملله من القذارة والعذاب، وجاءت الصناديق والأوراق، وبدأ تعب المشرفين والإرهاق، كان الكل يأخذ الورقة إلى الغرف، يكتب عليها سراً أنه لا يريد القرف، ثم يضعها في الصندوق بسرعة، كي لا يعلم أحدٌ ويطاله سوء السمعة، وبعد أن انتهى ذلك النهار الطويل، من التصويت سراً ولعكسه في العلن التهليل، وكان الناس يتكلمون في المجالس، كيف ستفوز القذارة وستحطم المكانس، وبدأ فتح الورق لمعرفة النتائج، وماذا من اليوم سيكون رائج، لم يصدق من فتح الأوراق ما حصل، توقع أنه جن وما يراه هو بحكم الملل، كانت معظم الأوراق تقول صراحة، أنها تريد للقذارة الإزاحة.
من صوّتوا ادعوا أنهم صدموا، وأنهم بالفعل صوتوا كما تكلموا، ولكنهم قالوا التصويت هو التصويت، والعمل بعكس إرادة الأهالي مقيت، ومنذ ذلك اليوم باتت عتيبة قرية النظافة، وبعد سنين باتت القذارة خرافة، حتى أنهم ينكرون كل يوم، أنهم كانوا بلا حمام يخلدون إلى النوم، وتعلم منهم كل عدوٍ وكل صديق، أن ما يقال علناً ليس ما يقال في الصناديق.
*الأسمال: الثياب
*قرطاس: ورق