لا أذكر متى كانت آخر مرة قلتُ فيها “أحبكِ” وكنتُ أعنيها حقاً، لا أذكر متى كانت آخر مرة وقفتُ فيها أمام جسد امرأة وشعرتُ بحاجة ماسة إلى عناقه، لا أذكر متى كانت آخر مرة أمسكتُ فيها بيد فتاة وشعرتُ بالقشعريرة تتسربُ إلى أعماقي، أعلمُ شيئاً واحداً فقط… لقد مر وقتٌ طويل، يبدو كدهرٍ لن ينتهي، وكأن الحب قد ودعني مع آخر حبيبةٍ ودعتها.
أستعيد آلاف الذكريات بلا فائدة، أستعيد آلاف القُبل، عشرات الليالي ومئاتَ الأيادي، بلا فائدة، لا تفعل شيئاً سوى استنفار الغرائز، ومئات الحاجات ما قبل الإنسانية، تجعل الحياة أصعب، أكثر حرماناً، ومزيدٌ من الاشتياق يستيقظ في داخلي، موقظاً معه آلاف الجروح التي ظننتُ أنها التأمت، ولكنها ما زالت جديدة وتنزف نصف دمائي كل يوم.
لعبة سخيفة تشبه لعبة “أمر أو صراحة” التي تقتصر على الصراحة غالباً، تعيد بظرف ثوانٍ إلي العديد من الذكريات، كل العشيقات اللواتي مررن في حياتي يعدن فجأة دون إنذار، أرتعب، أهلع، أحاول عبثاً إخراجهن من رأسي بلا فائدة، مصراتٍ على العودة إلى ذاكرتي، رافضاتٍ العودة إلى حياتي، قلبي بات كقضيب لا يريد الانتصاب، يرفض الحب من جديد، ربما هو الشوق إلى الماضي يمنعني من رؤية المستقبل أو الحاضر أو أي زمنٍ لم يكتشفه الإنسان بعد، ربما هي الذكريات المؤلمة تتغلب أخيراً على الذكريات الجميلة من الحب، تجعلني أضيف رهاباً مرضياً جديداً إلى رهاب المرتفعات والماء، رهاب الحب، رهاب المرأة، رهاب الجنس، رهاب كل شيءٍ يتعلق بتلك المدعوة حواء.
أكتشف فجأة أن تلك النساء الأربع ما زلن يسكن قلبي، ما زلتُ أحبهن جميعاً بالتساوي، وبنفس القدر الذي أحببتهن به حينها، أكتشف فجأة أنني أشتاق إلى أجسادهن، إلى كلماتهن وكل شيء يفعلنه من جديد، أكتشف أن ذلك الهراء عن تجاوز قصص الحب السيئة والأصعب قصص الحب الجميلة هو مجرد هراء، لا شيءَ سوى هراء، أكتشف أن حبي اللامشروط لم ينتهِ بعد، عشقي للملكة، حبي لقمري، وولعي بسورية العينين لم ينتهوا أبداً، ولا يبدو أنه سينتهي يوماً، أنني كما أدركتُ في لحظة من حياتي ألا مكان لمزيدٍ من الأصدقاءِ في حياتي، أدركتُ اليوم ألا مكان لمزيدٍ من الحب في حياتي.
ومن بين تلك الرؤوس الأربعة الدافئة يطل ذلك الرأس المدور، ذلك الوجه الأبيض، الشعر الأشقر، والجسد الممتلئ باعتدال، ذلك الوجد الذي حاولتُ الهروب منه طويلاً، أكتشف أن محاولاتي لمقاومة الوقوع في حبها فشلتْ، أو ربما حين ظننتُ أنني نجوت من الوقوع في حبها تهاونتُ في دفاعات قلبي، تهاونتُ في المقاومة، وتسللتْ خلسة دون أن أعلم إلى تلك البئر التي احتوت أربعة قبلها، ولكنها على غير عادة قصص الحب ذهبت فوراً إلى منطقة التراكم العشقي، فوراً إلى منطقة العذاب، إلى مرحلة الشعور بالحرمان وانعدام العدالة عند الآلهة.
علي أن أعترف، أن أقدم شهادتي بلا تزوير هذه المرة، أنا واقعٌ في الحب، منذ خمس سنواتٍ واقعٌ في الحب، وهذا الحب لا يفارقني، ولن يفارقني، وستبقى رائحة حبيباتي الخمس عالقة على قمصاني وبناطيلي وكل ملابسي، ستبقى عالقة في داخلي ولن تفارقني يوماً، من أرادت الدخول إلى منطقة الحبيبة عليها أن تتسم كمن سبقنها بالألم، وعليها أن تعلم أن دائماً هناك خمسة نساءٍ لن يتوقفن عن مزاحمتها مكانها.