الصــــــــــــورة:
هو جلس على كرسيه ذو العجلات خلف مكتبه ويديره إلى جانبه، رأسه بين كفيه، شعره طويلٌ يتدلى فوق كفيه ووجهه.
على صحن السجائر سيجارة غير مشغلة تنتظر، بقربها ساعة يد سوداء وكاميرا سوداء منزوعة الغطاء وموصولة بالحاسوب الذي أمامه.
خلفية الحاسوب صورة بيضاء وسوداء لوجهه، وعشرات الأيقونات تصطف بعشوائية على سطح المكتب، قرب شاشة الحاسوب مجلد فيه دفتران وبعض الأوراق وقلمي بايلوت (Pilot V-Ball) أسود وأزرق.
هي جالسة على كرسي بقرب كرسيه تضع رجلاً فوق الأخرى، والقدم اليمنى تهتز بتوتر وسرعة، إحدى يديها متكتفة والأخرى تمسك بسيجارة احترق نصفها والنصف الآخر ينتظر ذات المصير، تضع السيجارة في فمها وتغمض عينها اليسرى كي تتفادى الدخان الذي يحاول الدخول في عينيها.
رأسها ونظرها متجه نحو الباب المفتوح بالكامل، تبدو كأنها تتأمل مقبض الباب الذهبي اللون، ولكنها تتأمل المكان، تتأمل الوداع الأخير، تتأمل الحياة التي تنتهي بعد دقائق من الآن.
تحرك رأسها والنظرة الغاضبة على محياها، تنظر إليه وتجد رأسه حيث تركته وتعود إلى تأمل مقبض الباب.
ينهض فجأة ويتوجه إلى الحمام القريب من مكتبه، يغلق البابين خلفه، يتقيأ كما لم يفعل من قبل، لأول مرة في حياته يكاد يختنق أثناء التقيؤ، دمعت عينيه من الحالة الغريبة التي أصابت فمه ومعدته، وتسلسلت في نفس الوقت بعض دموع الحزن دون معرفة منه.
عاد إلى حيث كان يجلس وهي تتابعه بنظرها حين خرج وحين دخل، تلتقي أعينهما بعد جلوسه لثوانٍ، ثم يلتفت إلى صحن السجائر ويأخذ السيجارة ويشعلها كما اعتاد، يغطي رأسها رغم أنه في مكان مغلق وما من هواءٍ يعكر صفو إشعالها، ويحمل الولاعة بشكل أفقي بدل العامودي المعتاد ويميل رأسه قليلاً نحو اليسار.
تنهض بغضبٍ وتعلق الحقيبة التي كانت على الأرض على كتفها الأيمن، وتحمل المغلف العتيق الذي على المكتب وتتحدث…
الصــــــــــــوت:
– دعنا نذهب…
– إلى أين؟
– إلى المنزل… لقد تعبت أعصابي وأحتاج لبعض الراحة.
– لا أستطيع الذهاب، لدي بعض العمل عليّ إنهاؤه…
– لديك بعض العمل؟ ما هو بالضبط؟
– هناك بعض الاتصالات علي إجراؤها..
– الساعة الآن السابعة مساءً… تعلم جيداً أن أياً من اتصالاتك لا يُجرى الآن.
– أتعنين أنني أكذب؟؟
– لا… أنتَ تتهرب، تريد أن نبقى أيضاً ونتشاجر أيضاً.
– لدي عمل… لكِ أن تصدقي ولكِ ألا تصدقي.
– لن أصدق.. اِبقَ حيث شئتَ سأذهب وحدي.
– ……….
– متى ستتوقف عن التصرف كطفل؟
– رأيتُ الذين نضجوا… لم يعجبوني كثيراً.
– حين تنضج قد نتكلم من جديد
– كفي عن التكبر عليّ
– أنا رايحة، بدك شي؟
– …..
– باي
تخرج بسرعة، تغلق الباب الخارجي خلفها بعنفٍ وتنزل الدرج ودمعة تهرب من جفنيها وتسقط على الدرجة قبل الأخيرة، أما هو فأدار وجهه نحو الحائط وأطلق زفرة اختلطت بصوتِ تأوه طفولي، هربت دمعة جديدة من عينه وقال “باي”.
كذب كل اخبار الهوى …..
و زيف كل المواعيد ……
هو العمر يمضي فقط …….
هي الاشياء تنقص …..و لا تزيد…
ليس لها زمان حقيقي .. أنت زمانها