ترجمة مقال داميان فلاناجان المنشور في صحيفة جابان تايمز في 24 أيار/مايو 2018
تعرف أنك نجحت ككاتب حين تنعقد مؤتمرات مدتها أسبوع، مخصصة لمناقشة أعمالك التي تجذب الباحثين والنقاد والمترجمين من شتى أنحاء العالم، ولا تشعر أنك، الكاتب، بحاجة لحضورها.
في حالة الكاتب هاروكي موراكامي، فإن المؤتمر المنقعد في آذار من هذا العام في مدينة نيوكاسل، المملكة المتحدة، هو واحد فقط من عدة تجمعات مماثلة مخططة في النصف الأول من هذا العام. كما تم التخطيط لملتقيات مشابهة في فرنسا (ستراسبورغ)، الفليبين (مانيلا) وأستراليا (سيدني).
كما تشير أوريلي فانت سلوت [1]، الباحثة الهولندية التي تدرُس ظاهرة شهرة موراكامي العالمية، فإن إصدار كتب موراكامي في هولندا أصبح مرفقاً الآن بـ”رحلات إطلاق” لأكثر من ألفي شخص. وفي ذات الوقت في تايوان يوجد “مركز أبحاث هاروكي موراكامي”، الذي يقدم محاضرات وقراءات عن موراكامي وسيلة باعتباره وسيلة للتعلم عن اليابان في بلد تصمم فنادقه وشققه باسم “مرتفعات موراكامي” و”الغابة النرويجية”.
إننا نعيش أياماً مزدهرة حين يتعلق الأمر بشعبية موراكامي الاستثنائية، وكما تشير باربرا ثورنبيري [2] من جامعة تيمبل، فإن حب موراكامي أصبح الآن محركاً أساسياً لدورات الدراسات اليابانية حول العالم بذات الطريقة التي كانت تحركها الفنون القتالية والأنمي في العقود الماضية.
رغم ذلك فإن التقدير النقدي الجاد لأعمال موراكامي، مقارنة بكل هذا التملق، ما زال متأخراً. ما زال بعض النقاد يصرفون النظر عن موراكامي بوصفه أدباً خفيف الوزن، ومصدراً لقصص الإثارة العالمية، ويفتقد وزن الكتاب العظماء في عهد ما بعد الحرب (العالمية الثانية) مثل ياسوناري كاواباتا (1899 – 1972)، وجونيتشيرو تانيزاكي (1886 – 1965)، ويوكيو ميشيما (1925 – 1970). في عام 2012، أشار الناقد الياباني الشهير شيغيهيكو هاسومي لأدب موراكامي بوصفه “احتيالاً”، وتم اقتباس موراكامي حديثاً كمثال مهم على ما أشار إليه الروائي تيم باركس في 2010 باسم “الرواية العالمية الجديدة البليدة”.
الأثر العظيم للأدب الأمريكي على أعمال موراكامي – الذي ترجم بكثافة أعمال فرانسيس سكوت فيتسجيرالد (1896 – 1940)، ورايموند تشاندلر (1888 – 1959) وجيروم ديفيد سالينجر (1919 – 2010) ورايموند كارفر (1938 – 1988) وآخرين – قاد إلى انتقاد النثر الذي يكتبه على أنه يشبه قراءة أدبٍ أمريكي مترجم إلى اليابانية، كنكرانٍ لإرث اليابان الأدبي شديد الثراء. بالنسبة للبعض يعتبر هذا الأمر انتحالاً، وبالنسبة لآخرين يعتبر تحرراً.
موتويوكي شيباتا، البروفيسور المتقاعد في جامعة طوكيو والمترجم البارز للأدب الأمريكي المعاصر، والمشارك في ترجمات موراكامي، يرى أن موراكامي يفتح الباب أمام جيل كامل من الكتاب الصاعدين الذين يلهمهم التحرر من الأساليب الكثيفة المنمقة وتقاليد الأدب الياباني المبكر “الجدّي بشكل هائل”.
يستشهد شيباتا بكتاب معاصرين مثل يوكو أوغاوا وميكو كاواكامي كأمثلة على كتاب يزدهرون عبر أسلوب ما بعد موراكامي.
ولكن شيباتا يشدد في الوقت نفسه على كون موراكامي يتصل بالتيارات والتقاليد في الأدب الياباني – فقرار موراكامي في 1978 أن يكتب بعض صفحات روايته الأولى “استمع للريح تغني”[3] باللغة الإنكليزية قبل ترجمتها مجدداً إلى اليابانية، يذكر شيباتا بالكاتب الثوري فوتاباتي شيمي (1864 – 1909)، وهو باحث في الأدب الروسي ناضل كي يجعل روايته “أوكيغومو” أول رواية يابانية حديثة، كما يقول شيباتا، عبر كتابة بعض الصفحات بالروسية ثم ترجمتها إلى اليابانية.
ماثيو ستريتشر[4]، بروفيسور في جامعة صوفيا وصاحب مؤلفات مبكرة عن موراكامي، يستذكر بامتعاض أنه حين نشر كتابه الأول، “الراقص مع الخراف” [5] (إشارة إلى رواياتي موراكامي “ملاحقة خراف برية”[6] و”رقص… رقص… رقص…”)، في 2002، شكك كثيرون في كون موراكامي يستحق هذا الاهتمام النقدي.
ولكن حين ظهر كتاب ستريتشر “العوالم المحرمة لهاروكي موراكامي”[7] (2014)، كانت الدراسات حول موراكامي قد قطعت شوطاً طويلاً، بوجود باحثين في مؤتمر نيوكاسل يحللون علاقة كتاب موراكامي “الغابة النرويجية” بكتاب توماس مان (1877-1955)، أو يبحثون عن الصلات بين موراكامي وفرانس كافكا (1883 – 1924).
غيته هانسن، الدانماركي الذي نظم مؤتمر الشهر الماضي، لديه اهتمام خاص بالتعامل مع مسائل الجنسين [8] في روايات موراكامي، الجانب المزدهر دائماً في الأبحاث، ويشير إلى صعوبة التواصل بين الرجال والنساء التي تصورها الكثير من أعمال موراكامي.
في هذه الأيام، يبدو أن الكثير من البحث النقدي عن موراكامي مزدهر – يمكنك أن تقرأ دراسات عن دور الطعام في قصص موراكامي (هناك قوائم أطعمة كاملة في اليابان مستوحات من موراكامي) أو تنقب في الأبحاث عن أنواع الطوائف الدينية الموصوفة في “1Q48”. ويمكنك، كما فعلت باربرا ثورنبري، أن ترى روايات موراكامي كنافذة للنظر إلى المناظر العامة في طوكيو، أو تنتقل إلى داخل هذه المناظر، كما فعلت أليشيا كين [9]، وتقارن مساحاته الداخلية المجهولة بعالم صموئيل بيكيت (1906-1986) المتعمق[10].
رواية موراكامي الجديدة، “قتل الكومينداتور”[11] – المقرر نشرها بالإنجليزية في الخريف المقبل – تأخذ عالم موراكامي الخيالي باتجاهٍ مغاير تماماً، في مدينة وأونسن[12] (الربيع الدافئ) أوداوارا في مقاطعة كاناغاوا، متأملاً طبيعة الفن بحد ذاته، بالتوازي مع رحلة في ما يصفه ستريتشر بـ “العالم السفلي”، فيما يقدم صلات مع الحرب العالمية الأولى، وعملية آنشلوس 1938[13]، ومجزرة نانجنغ[14].
يحذر ستريتشر، المدافع الشرس عن أهمية موراكامي، من عدم رؤية الجوانب الخطيرة في أعماله بسبب قاعدة المعجبين الكبرى. لفت ستريتشر الانتباه، مثلاً، إلى ما يرى فيه معالجة موراكامي العابرة لمجزرة نانجينغ في عمله الأخير وطالبه بأن يدرك أنه صاحب رأي مهم فيما يتعلق بتاريخ شرق آسيا بالنسبة للقراء حول العالم.
كما ينتقد ستريتشر فشل موراكامي في تقديم المزيد من الرواة الإناث والشخصيات النسائية الشاملة. يقول أن “هناك الكثير من الـ‘بوكوس‘ (ضمير المتكلم المذكر) في قصصه، ولكن القليل من الـ‘البوكيتس‘” فيما يضحك.
سواء أكنت تؤمن أن موراكامي هو منقذ الأدب الياباني الحديث (“علينا أن نتعايش مع فكرة أنه سيموت يوماً ما” يقول ستريتشر) أو أنه أحد أعراض كون الأدب الياباني عالق في حالة من الركود، من الواضح أن الموجة التالية من الأدب الياباني ستكون بالتأكيد نوعاً من رد الفعل على النجاح المدوي لموراكامي.