من رواية مناف زيتون الجديدة (ظلال الآخرين) الصادرة عن نوفل – دمغة الناشر هاشيت أنطوان (2018)
لم أكترث يوماً لنجاة البشرية. كلّ ما أريده هو بضع ساعاتٍ يومياً أقرأ فيها. ولكن الأمور التي علي أن أعتني بها تتراكم، وكأنها تتعمد أن تحرمني ساعات القراءة تلك، وكأنها جريمة عليّ أن أمتنع عن فعلها، وإفساح مجالٍ لكلّ الأمور «الضرورية» التي لا تنتهي.
نعم، لا بد من تعلم مئات الأشياء التي لا تعني أي شيءٍ، ولكنها ضرورية من أجل سطرٍ أو سطرين يضافان إلى سيرتك الذاتية، يمنحانك مرتبة أو اثنتين أقرب لمناصب لن تحظى بها، ونقود لن تتمكن من الحفاظ عليها.
عليَّ أن أتكلم لغتين كي يُسمح لي باختيار اختصاصٍ من العلوم الإنسانية، وأن أتقن ثلاث لغاتِ برمجة كي أتمكن من التخصص في علوم الحاسوب. شهادة جامعية لوظيفة من الدرجة الرابعة، وماجستير لوظيفة في الدرجة الثانية. وظيفة من الدرجة الثالثة أو الثانية لأتمكن من اتباع دورات إدارة الموارد البشرية، وشهادة في إدارة الموارد البشرية لأحصل على وظيفة في الدرجة الثانية أو الأولى.
لا يمكن الرقص، حتى الرقص، من دون حساب أثر ذلك على كلّ خيطٍ رفيعٍ من مسار طموحاتي، فمتى انقطع أحدها تبعه الآخر، على الفور، هكذا يقولون، وخطأ واحد قد يفقدني كلّ شيء.
هربتُ كالجميع في النهاية إلى غرفةٍ صغيرة، لا أدري عما أبحث، ولا أدري ماذا أنتظر. أعيش نهاري بدقة فوضوية تجعلني كالآخرين، أرفع رأسي فلا أرى أحداً. وكأنّ لا أحد موجوداً على الإطلاق، جميعاً صامتون، مجرد أشباحٍ لا حاجة للاكتراث بها.
أبحث من النافذة السحرية عمّا يستحق المراقبة في حياة هذه الكائنات الساكنة، أنتبه أنّ هذه النافذة ليست أكثر من شاشة ضوئية مسلطة على الجدار، أدرك على الفور زيف معظم ما أرى، ولكن حتى هذا الزيف يبدو أحياناً مثيراً للاهتمام ويستحق المراقبة.
وفقط حين عرفتُ أنّ ملامسة يدٍ غريبة تعني أكثر مما تفعل الصور والأخبار، خرجتُ… فلم أجد أحداً.
–