استمتعنا كثيراً في ذلك النهار، شربنا الفودكا دون حساب، دخنا من السجائر الفاخرة التي أحضرتها لي من باريس، وفي النهاية مارسنا الجنس ثلاث مراتٍ متتالية، كي أشعرها بالارتياح شغلتُ أغانٍ فرنسية، لم يكن لدي سوى أغاني راب، ليس مهماً، المهم أن تستمع للغة مألوفة، المهم ألا ترتبك، فأنا لديّ من الارتباك ما يكفي لكلينا.
طلبتْ أن نطفئ النور، لم أمانع، والدخان المرتسم على إشعاع الشمعة الوحيدة صنع مناخاً لطيفاً من الريبة. طلبت ألا نتكلم أثناء الجنس، وهي لم تفتح عينيها طوال العملية. بالكاد أصدرتْ صوتاً، همهمات صغيرة تصدر على إيقاع ارتعاشات شفتيها، لا أرى يدها التي تقبض على خاصرتي طالبة التمهل.
أكلنا الفراولة، شربتُ بعض الفودكا من سرتها وعظام الترقوة، من الهاوية التي تعلن نهاية عنقها، حين ارتشفتُ من كف يدها والتهمتُ حبة فراولة من بين ساقيها انتفضتْ، كما لو إن رصاصة استقرت في رئتها، خمدتْ… صعدتُ إلى عنقها، وضعت كفها – المزدحمة برائحة الفودكا والأعضاء التناسلية – على شفتي مشيرة لي بالتوقف. رميتُ جسدي بقربها منتظراً أن تقول شيئاً، لم تفعل، بقيت صامتة، بدأتُ أغفو، همست لي “أنا لا أحبكَ”، أجبتها “أعرف”، واستسلمتُ للنوم.
لم أجد فيّ طاقة لأنقل رأسي إلى الجهة الأخرى من السرير، وأعتقد أنه ليس أمراً مهذباً توجيهُ قدميّ نحو رأسها، أنا عالقٌ في الجهة التي تهزمها الشمس ابتداءً من العاشرة وسبع دقائق، وعلي أن أسمح للشمس بإيقاظي بعد عجزها عن ذلك لسنة كاملة، ليستْ هنا.
ما زلتُ عارياً، صوت طلاب المدرسة المجاورة يمنعني من متابعة نومي، ألا ينتظر المجتمع الاشتراكي الموحد دائماً لبعد الظهيرة؟ نهضتُ، لبستُ سروالاً داخلياً نظيفاً، وذهبتُ إلى المطبخ، وجدتُ بعض الفراولة في الثلاجة، تناولتُ البعض بانتظار غليان الماء لأصنع القهوة، طعمها يشبه طعم لسانها، أو العكس ربما، أخذتُ القهوة وعدتُ إلى غرفتي، سكبتها في قدحٍ فيه بعض الفودكا، أحب الانتعاش الذي يسري في جسدي بسبب الكحول في الصباح، فتحتُ حاسوبي، كتبتُ بعض السطور ومسحتها، ما زال الوقت مبكراً على الكتابة، لمحتُ يسوع المعلق على الصليب الخشبي في صدر الغرفة، لقد رأيتَ كل شيء، رأيتَ كم كان جميلاً، بإمكان الرب التغاضي عن حادثة زنى واحدة.
شغلتُ بعض الأغاني، ونهضتُ لأرتدي قميصاً داخلياً، التيار المتسرب من زجاج النافذة المكسور لم يعد باللطف الذي بدا عليه في البداية، استلقيتُ على الأريكة، أتبع كل رشفة من الفودكا والقهوة بسحبة من السيجارة، حين انتهت عببتُ بقية القهوة الكحولية دفعة واحدة، ورميتُ رأسي على الأريكة، أستمع إلى الموسيقا مغمض العينين وأرسم في ذاكرتي سوراً حول الليلة الماضية كي لا يتسرب جزءٌ منها إلى النسيان، طلبتْ مني منذ البداية ألا أكتب عنها، قالت انني أفقد مشاعري تجاه ما أكتب عنه، ليس صحيحاً، لسنتين أكتب عنها ولم افقد ذرة من حبي لها، لكن ذلك أفضل، ربما أكتب رؤوس أقلامٍ أتذكرها في ما بعد.
المسافة الفاصلة بين الحب والشهوة أصغر من أن ألاحظها، لمحتُ يوم أمس أثر حرقٍ على كتفها، لم أسألها عن مصدره، ولن أسألها على ما أعتقد، ولكن جزءاً من الكون بات شكله مطبوعاً بدقة في رأسي الآن، جزءٌ من الكون كان عليه أن يختلف عما حوله ويرهق عقلي الصغير، حاولتُ أن أترك أثر شفاهي على ما حولها لموازنة اللون قليلاً، لا فائدة، غداً أو بعد غدٍ سيمسح جسدها أثري، وستعود البقعة كما كانت، تؤرقني وتحمّلني ما لا وسع لي به.
الكاميرا مرمية على السرير، تقريباً على بعد أربعين سنتيمتراً من قدمي أثناء “العملية” وبزاوية أربعين درجة غرباً، أثارت اهتمامي هذه الصدفة مستحيلة الحدوث.
نهضتُ نحوها، سحبتها نحوي، ووصلتها بالحاسوب لأشاهد صور الأمس، التقطنا بعض الصور، أحياناً لم تكن صوراً، كنتُ أستخدم ضوء التصوير لأستعيد ملامح الطريق، الظلمة كانت مربكة في بعض الأحيان. انتظرتُ انتهاء مضاد الفيروسات من فحصها، قال ألا شيءَ فيها يدعو للقلق، حسناً، همٌ آخر أزيح عن عقلي الصغير المؤرق بالبقعة المختلفة على ظهرها، لماذا عليها أن تكون مختلفة؟ لِمَ لا تشابه كل ما حولها وتمر بسلام من أمام ناظري؟ كانت الأمور ستصبح أسهل بكثير الآن.
أخذتُ علبة السجائر لأدخن سيجارة أخرى، ألقيتُ نظرة سريعة إلى العلبة، لا أتذكر إن تركتُ ولاعة داخلها، تفصيلٌ غريبٌ يشد انتباهي، قاطعني صوت هاتفي المحمول؛ كانت رسالة منها على فيسبوك تقول لي “اشتقتكَ”، أنا من علمها هذه الكلمة، والآن تستخدمها ضدي. عدتُ إلى علبة السجائر، التحذير الصحي الموجه للرئتين والحامل والجنين مكتوبٌ بالعربية، لا يبدو الأمر منطقياً، هذه السجائر من فرنسا، ربما شركات السجائر تهتم بزبائنها حد تخصيص تغليف لكل حي في المدينة، وشاءت الأقدار أن تكون غالبية سكان حيها في باريس من العرب، ولذلك قاموا بكتابة التحذير بالعربية، أو ربما هذه الشركة فقط وليس كل شركات السجائر.
تذكرتُ أنها تركتْ لي علبتين أخريات في الدرج، فتحته وتناولتُ العلب الفضية والزرقاء، نفس الشيء، التحذير بالعربية، قلبتُ العلبة وقرأتُ جانبها؛ “مخصص للبيع في الجمهورية العربية السورية”… بدأ الأمر يصبح مثيراً للريبة.
ظهرت محتويات الكاميرا على شاشة الحاسوب، فتحتُ الصورة الأولى، بضع صورٍ شديدة الضوء للسرير، بضع صورٍ للجدار المقارب للسرير، صورة لساقيّ وما بينهما عراة، والكثير من الصور لي مع مساحة فارغة إلى يميني في كل صورة، شغلتُ السيجارة العالقة بين إصبعي وتابعتُ مشاهدة الصور، بحثتُ عن منفضة السجائر، لونها مختلفٌ اليوم، أثر حمرة شفاهها على السجائر اختفى، فقط أثرٌ لمرطب الشفاه الذي أستخدمه لأقمع توسع تشققات شفتيّ تحت وطئة الفودكا والملح.
أخذتُ هاتفي وهربتُ به نحو السرير، رفعته فوق رأسي، أردتُ أن أرسل لها، أسألها إن كنا قد مارسنا الجنس يوم أمس أم لا، حروف رمادية أسفل رسالتها أتجاهلها عادة، تقول أن الرسالة مرسلة من إيفل في باريس – فرنسا، تبلغني باشتياقها من تحت برج إيفل، كم هي رومانسية، لا عجب أنها تحب ممارسة الجنس في الظلام.