من رواية الصيف الأخير (أو صيف كلنكسر الأخير) لـِ هرمان هيسه (1877 – 1962) – ترجمة: ستّار سعيد زويني – دار نينوى – 2008
عزيزتي نجمة السماء الصيفية.
يا له من أمرٍ رائع وصادق أنكِ كتبتِ لي، وما أشدها إيلاماً دعوات حبك لي، مثل أغنية أبدية، مثل عتاب أبدي، لأنكِ تسلكين طريق الصواب حين تعترفين، حين تعترفين لنفسك، بكل خلجة من خلجات القلب. ولكن لا تسمي أي عاطفة أمراً تافهاً، وأي عاطفة أمراً حقيراً، فكلها حسنة، حسنة جداً، حتى البغض، حتى الحسد، حتى الغيرة، حتى القسوة. فجميع ما نعيش عليه هو مشاعرنا المتواضعة الرائعة البهية، وكل شعورٍ خاطئ نشعر به هو نجمة أطفأناها.
لا أدري إن كنتُ أحب جينا، إني لأشك في ذلك كثيراً، فلستُ لأضحي من أجلها. لا أدري إن كنتُ قادراً على الحب أبداً. باستطاعتي الاشتهاء والبحث عن نفسي في الآخرين، وبإمكاني الإنصات إلى صدىً، وطلب مرآة، والسعي للمتعة، وكل ذلك قد يبدو حباً.
كلانا، أنا وأنتِ، نجول في المتاهة نفسها، في متاهة مشاعرنا التي اُستِخفُ بها في هذا العالم الذي يُرثى له، وبسببها ننتقم من هذا العالم الشرير، كلٌ بطريقته. ولكن دعينا، كلاً منا، نترك أحلام الآخرين تبقى، لأننا نعلم مقدار عذوبة خمرة الأحلام وشدة حمرتها. إن وضوح المشاعر و(أهمية) الأفعال وعواقبها أمر يملكه الناس الطيبون الواثقون بأنفسهم فقط، أولئك الذين يؤمنون بالحياة ولا يخطون أي خطوة لا يكون باستطاعتهم استحسانها غداً واليوم الذي يليه كذلك، لستُ محظوظاً بما يكفي حتى أكون أحدهم، وإني أشعر وأتصرف مثل رجلٍ لا يؤمن بالغد ويعتبر كل يومٍ يومه الأخير.
عزيزتي الغادة الهيفاء، لستُ محظوظاً في اجتهادي للتعبير عن أفكاري، فالأفكار المعبر عنها دائماً ما تكون جد ميتة. لندعها تحيا! إني لأشعر شعوراً عميقاً وشاكراً أنكِ تفهمينني، وأن شيئاً ما فيكِ قريب مني، لا أعرف تحت أي عنوانٍ في كتاب الحياة يجب وضع ذلك، سواء كانت مشاعرنا حباً، أو جنساً، أو شكراً، أو تعاطفاً، سواء كانت أمومية أو طفولية. غالباً ما أنظر إلى كل امرأة مثل خليعٍ ماكر، وغالباً كصبيٍّ صغير، غالباً ما تكون المرأة الأكثر عفة أشد ما تغريني، وغالباً ما تكون أكثرهن حسناً وغيداً. كل شيءٍ مسموح لي بحبه جميل، مقدس، مطلق الحسن، ولكن لِمَ، وإلى متى، وإلى أي حدٍ يمكنني أن أحب – ذلك ما لا أستطيع الفصل فيه.
إني لا أحبكِ وحدكِ، كما تعلمين جيداً، ولستُ أحب جينا وحدها، فغداً وبعد غدٍ سأحب نساءً أخريات، وأرسم صوراً أخر، ولكن لن أندم على أي حبٍ شعرتُ به يوماً، وأي تصرفٍ حكيمٍ أو أحمق ارتكبته إكراماً لأولئك اللاتي أحببتُ. ربما إني أحبكِ لأنكِ تشبهينني، وأحب الآخرين لأنهم مختلفين جداً عني.
إنها ساعة متأخرة من الليل، والقمر يشرف على جبل مونت سالوت، يا لابتسامة الحياة، يا لابتسامة الموت!
ارمي هذه الرسالة السخيفة في النار، وارمي في النار
المخلص كلنكسر