رقصة أخيرة

dance

أنا وأنتِ هنا، لا ندري أين، ولا ندري أيضاً لماذا نحن هنا، آخر ما كنا نفعله هو تبادل عبارات الوداع، حجم الغرفة ليس واضحاً، المساحة المضاءة منها لا توحي بشيء، ثلاث شموعٍ ترسم مثلثاً قائماً من النور، ملابسكِ غريبة، فستانٌ أحمر يكشف القليل من صدركِ، ويعكس ضوءاً شديد اللذة على عظام العنق، أتجاهل قول شيءٍ لطيفٍ عن ملابسكِ احتراماً لغرابة الموقف، لماذا نحن هنا؟ كلانا صامتان، أنا بانتظار أن تقولي لي شيئاً، أنتِ الشخص الوحيد قربي الذي يفترض به أن يقود التجربة الغريبة التي أمر بها، ولكنك صامتة أيضاً، بانتظار أن يبدر شيءٌ ما مني، بعد قليل نسيت المكان، أخذتُ أفكر: أنا وأنتِ قرب بعضنا، وحدنا في اللامكان مع شموعٍ ثلاثة، لا شيءَ سوانا، أخيراً سأتمكن من استنشاق عنقكِ على مهل، لدي الوقت – كل الوقت – لأتعمق في تفاصيل الرائحة.

حركتُ قدمي اليسرى نحوكِ، أملاً في أن يدور في رأسكِ ما يشبه أفكاري سيئة التوقيت، اقتربتُ منكِ خطوة، خطوتين، لم تتحركي، ما الذي تفكرين به؟ أي أفكارٍ تنهش كل انتباهكِ الآن؟ أيعقل أن رائحتي لم تحركِ فيكِ شيئاً؟ أم ملابسي غير الأنيقة تجعلكِ مترددة؟ لقد أخبرتكِ قبلاً؛ أنا غير قادرٍ على ارتداء الملابس الرسمية، تسبب لي الحكة، ربما حين أفقد بعض الوزن سأبدأ بارتدائها، وقد أترك لكِ اختيار بزتي الرسمية الأولى، أريدها من طراز (سموكينغ)، لا أعرف ماذا يعني ذلك في عالم الأزياء، ولكني أعرف قصة التسمية، وسأكون ممتناً إن منحتني فرصة التفاخر بالبعض من معلوماتي أمام أصدقائكِ وعائلتكِ، لا بد أن تتحركي، عليّ تحفيزكِ، عليّ عناقكِ أياً كان الثمن، لا بد أن ترتجفي، سوى بذلك لن تخرج كل الرائحة من العنق، سوى ذلك لن ينتفض الشيطان الساكن في تفاصيلها.

مرت يديَّ بين ذراعيكِ وجسدكِ، يجب عند العناق أن تكون ذراعا الفتاة في الأعلى، ذلك يسهل ضغط الأجساد على بعضها، شددتكِ نحوي، شعرتُ برئتيكِ تعاودان التنفس، إذاً كنتِ عاجزة عن التنفس كل هذا الوقت، انتفض جسدكِ بين ذراعيّ مرتين، شعرتُ بوزنكِ يحاول تهريب خاصرتكِ من يديّ، إن أفلتكِ تقعين على الأرض، تلك التي لا نرى فيها سوى ما تضيئه ثلاث شموع، بدأ الزفير يخرج مصدراً الضجيج من فمكِ، بعد أربع أو خمس مراتٍ من التنفس بدأ يصبح أكثر هدوءاً، بتِّ قادرة على التكلم.

“أنا لستُ من هذا العالم”

“أعرف، لستِ من هذا العالم”

“أنا من المريخ…”

“أعرف، سنتكلم بهذا الشأن لاحقاً”

من مكانٍ بعيد عنا تصدر الموسيقا، لم تكن واضحة في البداية، ولكنها بدأت بالتصاعد، أخذ الإيقاع بالظهور واضحاً مهيمناً على مستنقع الهدوء الذي يغزوه، أترقصين؟ بالطبع، لا شيءَ لنفعله في هذا المكان سوى الرقص، انتصب جسدكِ، وتشابكت يداكِ خلف عنقي، لا يمكنني أن أرى في وضعية الرقص هذه سوى نصف عنق، والشعيرات الزاخرة بالشبق المجاورة للأذن، ألامسها بأسفل ذقني، أغمض عينيّ وأعيش رقصة أخرى داخلي مع رائحتكِ، سبع ثوانٍ درتُ فيها الكون مع رائحتكِ، رقصة لا تبدو موشكة على انتهاء، أيقظني همسٌ في أذني، انظر! نظرت، اتسعت رقعة الضوء، المزيد من الأرض ظهرت، لكن لا جدران حتى الآن، أهمس في أذنها متعمداً ملامسة أذنها بشفتي، استمري.

الضوء يتسع مع إيقاع الموسيقا وأقدامنا، فجأة تجمدين في مكانكِ، تطلبين مني بضغط يديكِ على عنقي أن أتوقف عن الرقص، تفارقين جسدي بهدوء، انظر! مجدداً؟ نظرت، على الأرض، حيث توقفت رقعة الضوء عن الاتساع، مقبض سكينٍ، لا نعرف ما هي تتمة هذا المقبض، لا نعرف إن كان نظيفاً أم تلوثه الدماء، ربما كان مجرد لعبةٍ غير مؤذية، أو ربما مقبض بلا سكين.

“لقد رأينا الكثير، أكثر مما نحتاج”

“لكننا رقصنا أقل من ذلك بكثير”

“عليّ أن أعود، لقد رقصنا كثيراً وسرقنا الوقت”

“كم مضى على تلك الرقصة؟”

“استمرت ثلاث سنواتٍ، ألم تتعب؟”

لا أريد أن أرقص أكثر من ذلك، مقبض السكين يبدو مخيفاً الآن، سأكتفي بعناقكِ، أو ربما… حين نعتاد الخوف سيكون لدينا الوقت لرقصة أخيرة.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها