لن تهرب من ذلك المكان الذي بُنيَ لأجلك منذ البداية، لا يمكنك التحرّك بعكس مشيئة القدر، كل ما عليكَ فعله هو انتظار الباص التالي، إبراز بطاقتكَ الصحفية للأرنب الذي يحرس المكان، ومن ثم الدخول، حيث ستجد كل تفاصيل الكون متلائمة مع آمالكَ، حتى أن أصوات الجميع من حولك ستكون جميلة، لن نسمح لشيءٍ بمقاطعة السكينة والهدوء المحيطين بكَ، الموسيقا ستعزف طول النهار، وسيكون لديكَ ما يكفي من النبيذ والحشيش، حتى إن الشاي لن يكون بارداً أبداً، هناك سيكون لديكَ الخيار لتشغيل الموسيقا طول النهار، لتصدر بدرجة معتدلة من الشدة من مكبرات صوتٍ مركبةٍ على كل زوايا السماء، سترى من خلال الغيوم اسم الأغنية التالية.
أنا أعرف أنكَ تعلم ما هي السعادة بالضبط، واثقٌ من أنكَ لا تأخذ بالهراء الذي يقول أن السعادة قد توجد في كل مكان، وتعرف من خلال خبرتكَ الطويلة أن السعادة هي شيءٌ محدد بحاجة نقودٍ لنملكه، لا سعادة دون نقود، وهنا – يا سيدي – لستَ بحاجة للنقود، كل المكان ملكك، كل النساء والحانات لكَ، لا حاجة لديكَ لتبذل جهداً بالمقابل، كل ما عليكَ فعله الاسترخاء، وترك المكان يقوم بما بُنيَ ليقوم به، سيدي أعرف أن بعض الحنين يراودكَ نحو العالم القذر، نحو ذلك المستنقع الذي تمتعكم برودته بالصيف، غير مكترثين برائحته النتنة التي ذهبتْ بحاسة الشم لديكَ بعيداً وإلى الأبد، ولكن هذا الحنين هو مجرد محاولة يائسة من الشيطان ليعيدكَ إلى الجحيم الذي كنتَ تقضي أوقاتكَ فيه.
كف عن النظر إلى الوراء، هي لا تراك، هي تنظر في اتجاهٍ آخر تماماً، هي متجهة نحو مكانٍ – بالضبط كالذي ستحصل عليه حين تدعها ترحل – تتلاءم تفاصيله وآمالها، لسوء حظكَ أماكنكما ليست متقاربة، هنا يوجد الكثير من النساء، وستكون أنتَ الذكر الوحيد بينهن، ستكون أنتَ خيارهن الوحيد، ليس عليكَ أن تعطيَ بالاً لإرضائهن، سيدي أرجوك، لا مزيد من الوقت لديك، ابحث بين النساء المنتظرات في الداخل، ربما تشبه إحداهن تلك الشاردة، لا أرجوك! لا تسر في ذاك الاتجاه، حسناً، بعد دقائق ستعود إليّ وتقول لي أنكَ لسببٍ ما لم تقترب منها رغم أنكَ تسير تجاهها بسرعة كبيرة، هيا.. أنا بانتظاركَ.
رائعٌ أنكَ عدت بالضبط كما كنتُ أتوقع، هل تسمح لي بفتح الأبواب كي تدخل؟ ربما لم تفهم الأمر بعد سيدي، عملياً نحن سنخرج، لن ندخل، نحن الآن في داخل المكان الضيق عديم الألوان الذي أخبروكَ أنه العالم، هناك، في الخارج، حيث الألوان أكثر من أن تحصيها يمكنكَ أن تتنفس بارتياحٍ لأول مرة في حياتك، كل شيءٍ سيكون مختلف، ما أخبروك أنه الهواء، ما أخبروكَ أنه الماء، ما أخبروك أنه الجنس والحب والفواكه والخضراوات والمكسرات، كل شيءٍ سيدي، ستراه بصورته الحقيقية، ولن تندم على الخروج من هذا القفص الضيق الذي بدأ بصراحة يخرب مزاجي، تحرّك سيدي، لقد بتَ على مقربة من الباب، وبدأت السكينة والطمأنينة بالتسرب إلى قلبك، تعلم أنكَ هناك ستكون مرتاحاً مرة واحد وإلى الأبد، وحتى ذكرى الشاردة لن تراودكَ من جديد.
رائع! انظر كم اقتربت، انظر، هيا سيدي، خطوة واحدة، هيا! إنها خطوة واحدة فقط نحو الحقيقة.