نحن يا سيدي جيلٌ بلا مستقبل…
قتلوا أصدقاءنا وباتت سهراتنا وحيدة، أغلقوا الأبواب على أحلامنا، ومنعوا الضوء من الدخول إلا في أوقات التبول، نحن يا سيدي خرجنا لنواجه الحياة برغبة عارمة بالنصر، فوجدنا المعركة قد تغيرت وباتت معركة من أجل الحياة وليس معها، وباتت الرغبة بالهزيمة، سبحنا بعكس التيار مراتٍ عديدة ظناً منا أن التيار لن يجرفنا يوماً، ولكن السد انهار، وخرج النهر المتوحش دون أصفاده جارفاً حتى ما تبقى من تعرقنا ملتصقاً على قطراتِ ماء النهر، نحن يا سيدي خرجنا من رحم الحقيقة، تلك التي يبحث الجميع عنها، خرجنا من بين جدرانٍ ينقصها الإسمنت، من مكاتبٍ ينقصها الإنترنت، ومن صفوفٍ ينقصها العلم، ينقصها الوجود تحت إدارة عقلية بعيداً عن صراعات الآلهة، نحن يا سيدي علمونا منذ خرجنا إلى النور أن ماضينا أبيض، وأن مستقبلنا أبيض، وحاضرنا لم يخبرونا عنه شيئاً، وحاضرنا اليوم، الذي كان مستقبلنا يوم أمس، مجردٌ من الألوان، رماديٌ كلون الأنقاض، وتقاطع ملله بعض الألوان المقيتة.
نحن يا سيدي جيلٌ بلا مستقبل…
أغلقوا في وجهنا الطرقات بحواجزٍ تطلب الهوية، نحن يا سيدي منذ ولدنا بلا هوية، أغلقوا في وجهنا الطرقات طالبين منا البطاقة الشخصية، ونحن منذ ولدنا مجرد نسخة عن نسخة، مجرد دفاترٍ مليئة بالملل بلا شخصية، أغلقوا في وجهنا طريق المطار، وأغلقوا في وجهنا محطة القطار، أغلقوا في وجهنا باب المنزل وباب البراد، أغلقوا في وجهنا كيس الثلج وزجاجة الفودكا، أغلقوا في وجهنا كل المعابر… حتى الكحول.
نحن يا سيدي جيلٌ بلا وطن…
يعبثون بكل ذرة ترابٍ قبلنا حكايانا المراهقة عليها، مزقوا كل أريكة اهتزت سبع ليالٍ متتالية، وأضرموا النيران في حاويات القمامة التي تحتضن كرحمٍ مؤقتٍ مشاريع أجنتنا، ويقولون لنا في النهاية أن لنا وطن، يطلبون منا أن ندافع عن هذا الوطن، أن نحب هذا الوطن، أن نهتف ونصرخ ونحتمل صعقات الكهرباء من أجل هذا الوطن، يا سيدي… يطلبون منا أن نرقص في الساحات من أجل هذا الوطن، أي وطنٍ هذا يا سيدي دون أبناءٍ يرون النور بعد حصة الرياضيات؟ أي وطنٍ هذا بلا نساءٍ يزغردن دون بندقية تنظم مقامات الزغردة؟ أي وطنٍ هذا الذي يطلب منا أن ندفع له النقود، ولا يدفع لنا في النهاية بسيجارة أو كأس عرقٍ مثلث؟ يا سيدي لقد رأينا خريطة، قالوا لنا أن هذا هو الوطن، وطلبوا منا أن نحب هذا الوطن، لم يتركوا لنا نقوداً تكفي زيارة أياً من ربوع هذا الوطن، أو أنصافه أو أي جزءٍ مجزءٍ منه، يا سيدي نحن جيلٌ بلا وطن، نحن جيلٌ لا يملك أريكة ولا يملك أجنة ولا يملك وطن… نحن جيل يملك خريطة فقط.
نحن يا سيدي جيلٌ بلا مستقبل…
هل بوسع السيقان المكسورة قفز الحواجز أو ممارسة الجنس وقوفاً؟ هل بوسع الأيدي المبتورة الكتابة أو تشغيل السجائر؟ حل بإمكان الحناجر المقتلعة الهتاف أو الغناء أو على الأقل القضاء على صمت الاستحمام؟ يا سيدي هل بإمكان النساء الميتات إنجاب الأطفال؟ وحدها القذائف هي القادرة على التكاثر، الخصيان يعجزون عن إخصاب أرحام الجواري، يا سيدي لم يبقَ لنا منه سوى وجهٌ مبتسمٌ يهزأ من عجزنا عن صناعة قوس قزحٍ للمرة الثالثة، كيف تطلب من جيلٍ تنطبع في رأسه وجوه قضبانٍ هازئة أن يكون له مستقبل؟
نحن يا سيدي جيل بلا وطن…
اتهمونا بهدم أبنية لم تبنى، وقتل رجالٍ لم تمت، قالوا أننا السبب في التأخر بتحرير فلسطين، يا سيدي نحن لم نفعل شيئاً بعدُ سوى الثمالة والزنى، طلبوا منا أن نرمي أسلحتنا، فكسرنا كؤوسنا ومزقنا الأسرّة، يا سيدي نحن كنا على وشكِ أن نبني وطناً، وقبل أن يبنى هدموه فوق رؤوسنا، واتهمونا بأننا هدمنا ما لم نبنِ، بأننا هدمنا ما لم يبنه أحد، نحن يا سيدي لا نطلب من الوطن سوى شارعاً وبعض الكحول وإضاءةً لطيفة، يا سيدي نحن جيل بلا مطلب، نحن جيل بلا أحلام، نحن جيلٌ موءود مع وقف التنفيذ، يا سيدي، حين تكتب تاريخ البلد، قل عنها أنها تركت جيلاً كاملاً من أبنائها بلا أملٍ ولا مستقبلٍ ولا سببٍ وجيهٍ للتفاؤل، قل أنها تركت جيلاً كاملاً بلا وطن.
نحن جيلٌ موءود مع وقف التنفيذ، يا سيدي، حين تكتب تاريخ البلد، قل عنها أنها تركت جيلاً كاملاً من أبنائها بلا أملٍ ولا مستقبلٍ ولا سببٍ وجيهٍ للتفاؤل، قل أنها تركت جيلاً كاملاً بلا وطن. 🙂