-1-
لستَ وحيداً في هذه المدينة القديمة، لستَ وحيداً في البقايا الأخيرة من الأرض، كل ما بقيَ هو بعض الحجارة، بعض الأشجار، والكثير من علب التونا الفارغة، كل شيءٍ لكَ، أنتَ تملك الأرض الآن، وبإمكانك أن تغير التاريخ بإضافة بعض اللمسات على هذا الكوكب المتهالك، أنتَ الآن حاكم الأرض، الحاكم الأول للأرض، ولكن تذكر، أنتَ لستَ وحيداً، لستَ مجبراً على الصمت، هناك من تحدثه، هناك من تخبره بحاجتك الماسة للذهاب إلى الحمام، هناك من تخبره أن قدمكَ قد أصيبتْ، وأن إصبع قدمكَ قد تكون مكسورة، هناك من تخبره أخباركَ التي لم تعد قادراً على إنتاج المزيد منها بحكم وحدتكَ، فذاك الموجود موجودٌ فقط ليستمع، لم يألف سلوكاً آخراً بإمكانه أن يفعله معكَ، هو لا يشرب الخمر، كل خمور الكون التي بقيت الآن هي لكَ، لكَ وحدك.
لستَ وحيداً في هذه المدينة القبيحة، جميعهم ذهبوا، ولكن أصواتهم بقيت، ما زالت أصداؤها توقف سيركَ السريع، تجعلكَ تلتفت باحثاً عمن نادى باسمكَ، كل الأسماء اسمكَ الآن، وحده الخوف لم يترك صوتاً، للمرة الأولى تجرب العيش في هذه المساحة من الإسمنت والكحول التي يدعونها مدينة دون خوف، وحدتكَ سببها ليس انعدام المخلوقات الأخرى، إنما انعدام الخوف، متى توقفتَ عن الخوف تكون قد توقفتَ عن انتظار الحياة، متى توقفتَ عن الخوف تكون قطعة من اللحم الفاسد تنتظر الموت دون أملٍ بعدم قدومه، ما المعنى من أن تموت إن لم يكن هناكَ من سيحزن لموتك؟ غص أعمق من ذلك؛ ما معنى أن تبقى حياً؟
كف عن النظر إلى الأنوار، لن يشغلها أحد، اكتفي ببعض النور الذي تجنيه من حرق المعابد كل يوم، كل يومٍ تقيم حريقاً كبيراً، لم يمت أحد، فقط بعض النور أنتَ بحاجته كي ترى عيني الموجود حين تخبره عن حاجتك الماسة للذهاب إلى الحمام، فقط بعض النور يكفيكَ وأنتَ تطلب المزيد، طمعكَ لا بد أن يخرج، لا بد أن تصبه على شيءٍ ما، فخرج النور.
لستِ وحيدة في المدينة، ليست الأصوات التي تسمعين وليدة مخيلتكِ، كل الحكايا التي أخفيتِ عن جدران المنزل البرّاق تعود الآن بصورة تقارب البكائية، وحاجتكِ للسكينة لم تكن قد لبيت كما ظننتِ.
لستَ وحيداً في المدينة الشقراء، الأنهاد لا زال لديها صيفٌ كامل كي تتنفس، لازال لديها شمسٌ طويل اللظى لتمتصها خلايا بشرتها، لتتركِ سطحاً ناعماً ترتاح عليه الشفاه المتعبة، علينا أن نصمت، أن ننتظر مرور ما تبقى من تيم الجسد في بلادنا.
-2-
لم أمارس الجنس يوماً مع سواها، تتغير الأجساد كثيراً، لكن دائماً ما يعاد تشكيله من المشهد هو الوجه والصوت، وجهها وصوتها، لم أتمكن من إعادة تشكيل جسدها، لقاءاتنا لا تكفي – كماً ونوعاً – للحفاظ على تفاصيل جسدها المتغير باستمرار، كانت تكفي فقط ليصيبني هوسٌ بها، لأصبح مضطراً لإضافة وجهها وصوتها إلى مشاهد الجنس من حياتي كي أستطيع المتابعة.
لا تفارقني استدارة عينيها، لونهما الذي يكاد يحقق المستحيل ويصبح أسوداً، لا عيون سوداء في هذه المجرة، أقف على بعد خطوةٍ من نسيان اسمها.
لم يبقَ سواي في المدينة، ذهب الجميع إلى البعيد، الآن علي أن أتخيل مدينة بالكامل، سيكون عليّ تخيل وجه وحياة سائق سيارة الأجرة، سيكون عليّ أن أتخيل سيارة الأجرة، يجب أن أتخيل سيارة أجرةٍ جديدة وسائقاً جديداً كل يوم، ومن ثم أتخيل عملاً، وزبائن وموظفين ومدراء، سيكون علي أن أتخيل المتسولين وأولئك عديمي الهوية الذين عليهم أن يعبروا دون أن ألاحظهم، رغم أني لا ألاحظهم عليّ أن أتخيل أشكالهم على الأقل، المهمة الأصعب هي أنه سيكون عليّ تخيل موسيقا جديدة.
غداً سأتخيل نساءً جدد، لا لشيءٍ سوى لممارسة الجنس معهن ومن ثم إضافة صوتكِ ووجهكِ إليهن، حاذفاً وجوههن وأصواتهن التي تخيلتها بلا فائدة.