انعتاق أولي

Roberto Ferri

تجاهل رائحة الصابون، بكَ عطشٌ لم يرتوِ، بكَ شغفٌ لم يأخذ كفايته، تجاهل الحواف التي تحمل الرائحة، تجاهل رائحة مزيل العرق التي تتضاعف كل ما ازددت اقتراباً من كتفيها، واعصر بكل ما أوتيت من قوة، كما لو أنه النهد الأخير الذي ستلمسه راحتيكَ، عاقبها بدلاً من كل النساء اللواتي حفظن نهودهن عن يديكَ، أعطها فرصة لتتنفس، أبعد شتفيك عن شفتيها كل حين، اترك فراغاً في فمها يسمح بمرور الهواء، إن كان لا بد من قتلها فلتمت نشوةً لا اختناقاً.

تجاهل رائحة الصابون، والذكرى المؤلمة التي بدأت تنفذ رائحتها من مسامك، تجاهلها، تصرف وكأنكَ بلا ماضٍ، كأنك بلا مستقبل تقلق منه، تشبث بجسدها كأنه الأول، تشبث به كأنه الأخير، هو ليس الأول، وإن كنتَ محظوظاً لن يكون الأخير، لكنه نقطة اللاعودة، هو بقعة من الرمال المتحركة، التصاقٌ مضنٍ منذ اليوم برحلة اتباع الشهوة، تلك الذكرى ليست سوى ذروة خيالاتك، هذا الجسد هو ذروة واقعكَ.

كن صبوراً ودع رائحة الصابون تسير، اِحبس أنفاسكَ عند تذوق أجزاءٍ جديدة من جسدها، ذلك سيجعل فهم الطعم أسهل، حيث تتذوق المرارة – غالباً عنقها – فإنك تلامس بقع تجمع العطر الذي رشته على نفسها قبل خروجها على عجل من منزلها، غير قادرةٍ على الصبر لحين هذا اللقاء، كما لا يبدو أنها تريد أن تفقد صبرها.

تحرر من الذكريات القديمة، تحرر من الأكاذيب القديمة، تخلص من الولاءات القديمة، لا تفقد تركيزك، تجاهل كل الكون المخيط بكَ، وفكر فقط بتلك البقعة الصغيرة جداً من جسدها، تلك التي تطلع العنان لبراكين شهوتها، بعض من الصبر سيجدي نفعاً، وسيضمن لكَ ليلة ممتعة.

الخشب يطفو على الماء، لا فائدة من ربط قدمكَ بلوحٍ من الخشب والارتماء في البحيرة، حتى البحيرة باتت ضحلة، أضحل من ألا تمنح فرصة للتراجع عن الموت، تكبر عليها وأخبرها أنكَ لستَ في مزاجٍ مناسبٍ لممارسة الجنس، ذلك لن يفعل شيئاً سوى زيادة شبقها، كما ضاعفت هي شبقكَ في السنين التي مضت، كي تكون مبارزة الأجساد ممتعة يجب أن يكون هناك توازنٌ في الشبق.

الاتصالات لم تعد تكفيك، رؤيتها على شاشة حاسوبك المغطاة بالغبار لم تعد تكفيك، لا يمكنك أن تشم رائحتها، ووجهها… لقد اعتدت عليه بلا غبار.

هل أقمت حساباً لها؟ هل انتظرتها بما يكفي؟ لقد تجاوز انتظاركَ حد الاشتياق، دخلتَ الآن مرحلة الملل، مرحلة العجز عن التفكير في الأفضل، العجز عن تخيل جسدها في وضعياتٍ جديدة، عن تذكر المساحة التي تشغلها شفتاك من شفتيها، هذا كل ما في الأمر، لا شيءَ مخيف، جميعنا نفقد الذاكرة الآن، وربما حين يجمعكما السرير سيكون عليكَ التفكير جيداً كي تتأكد أنك لا تقول الاسم الخاطئ، سيكون عليكَ أن تمحي من ذاكرتكَ كل الأسماء التي تختلقها كل مرة تبدأ بكتابة قصتها، وتبقي على اسمها الحقيقي، اسمها الذي لا زلتَ أجبن من أن تذكره أمام المرآة.

اختفت رائحة الصابون، تعرقها الآن يكاد يمحي رائحتكَ أيضاً.

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية لتصلك أحدث المقالات فور نشرها